المخاطبين لم يكونوا كلهم خانوا وكلهم أوجلُّهم قد اختانوا، لأن الاختيان هو أن تتحرك الشهوة وتدعوه، ولذلك خص لفظ النفس المعنية بقوله:{إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}، وكفى للتنبيه على اختيان النفس شهادة من حلفها بذلك علماً بقوله تعالى:{عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}، فاختيان النفس مخادعتها ومدافعتها إما بمساعدة أو بمخالفة وقوله تعالى:{وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ} إشارة في تحري النكاح إلى لطيفة، وهي أن الله تعالى جعل لنا شهوة النكاح لبقاء نوع الإنسان إلى غاية، كما جعل لنا شهوة الطعام لبقاء أشخاصنا إلى غاية، فحق الإنسان أن يتحرى بالنكاح ما جعل الله لنا سعلى حسب ما يقتضيه العقل والديانة، فمتى تحرى به حفظ النسل وحصن النفس على الوجه المشروع، فقد ابتغى ما كتب الله له، وإلى هذا أشار من قال:
عنى الولد به الخيط الأبيض بياض النهار، وبالخيط الأسود سواد الليل، وروي أن عدي بن حاتم عمد إلى عقالين أبيض وأسود، ثم جعل ينظر إليهما ويأكل إلا أن يتبين أحديهما ن الأخر، فأخبر النبي- عليه السلام- بالذي صنع، فقال: إنك لعريض الوساد، إنما ذاك سواد الليل بياض النهار وقول:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} تنبيه على ابتداء التحريم إلى انتهائه، وكما نهى عن المباشرة في حال الصوم نهي عنها في حال الاعتكاف وظاهر ذكر المساجد يقتضي جوار الاعتكاف في كل مسجد ...