و " أتى البيت من ظهره " إذا طلب الأمر من غير وجهه وجعل ذلك مثلا لسؤالهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عما هو ليس من العلم المختص بالنبوة، وأن ذلك عدول عن المنهج وذلك أن العلوم ضربان:
دنيوي: يتعلق بأمر المعاش كمعرفة الصنايع ومعرفة الأجرام السماوية ومعرفة المعادن والنبات وطبائع الحيوانات، وقد جعل الله تعالى لنا سبيلاً إلى معرفته على غير لسان نبيه محمد - عليه السلام -، وشرعي: وهو البر، ولا سبيل إلى أخذه إلا من جهته وهو أحكام التقوى، فلما جاءوا يسألون النبي - صلى الله عليه وسلم - عما أمكنهم معرفته من غير جهته أجابهم ثم بين لهم أن ليس البر ترك المنهج في سؤال النبي - عليه السلام - ما ليس هو مختصا بعلم نبوته ولكن البر هو تحري التقوى، وذلك يكون بالعلم والعمل المختصين بالدين وقال بعض المفسرين إتيان البيوت من ظهورها هو أن العرب من لم يكن من الخمس إذا أحرم لم يدخل البيت من بابه بل كان يأتيه من ظهوره، فأتى رجل من باب بيته، فأنكر عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية ..
وهذا عن ابن عباس وغيره وقيل: إتيان البيوت من ظهورها مخالفة الواجب في الحج وشهوره واستحلال أشهر الحرام وتحريم الحلال، المعنى بقوله:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} وكل ذلك لا يمتنع أن تتناوله الآية لكن الأليق بأول الآية ما تقدم ذكره، وقوله:{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} أي تحروا في كل عمل إتيان الشيء من وجهه تنبيها أن ما يطلب من غير وجهه صعب مناله، ثم قال:{وَاتَّقُوا اللَّهَ} حثا لنا أن نجعل تقوى الله عز وجل- شعارنا في كل ما نتحراه، فبين أن ذلك هو الذريعة إلى تحصيل الفلاح ..