لا فصل بين إحصار العدد وإحصار المرض كما قال أبو حنيفة دون الشافعي - رحمة الله عليهما - " لولا أن الآية نزلت في سبب العدو فلا يجوز أن نتعدى إلاً بدلالة "، ولأن قوله:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ} يدل على أن المراد بالإحصار هو بالعدو وذلك قول ابن عباس - رضي الله عنه - ويقتضي الظاهر أن لا قضاء عليه خلافا لأبي حنيفة - رضي الله عنه - لأنه قال:{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} واقتصر عليه والهدي بقرة أو بدنة أو شاة أو أكثر، لأنه قال:{فَمَا اسْتَيْسَرَ}، ونهى عن حلق الرأس إلا بعد بلوغ الهدي محله، ومحله عند أبي حنيفة الحرم، واستدل بأن ناجية بن جندب قال:" دعني أخذ بعض هذه الأودية، وأسوق هذه البدن إلى الحرم، فأنحر بها "، فقال - عليه السلام -: " افعل " فساقها إلى الحرم، فنحر بها، وعند الشافعي أن محل الهدي في الإحصار زمان تحلله، ومنحر الهدي حيث يتحلل، وقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} ليس مقصورا على المحصر، بل حكم كل حاج ومعتمر، والمرض الذي يبيح اللبس والحلق ويقتضي الفدية هو الذي يحتاج إلى تغطية البدن وحلق الشعر، وألزم فدية على التخيير ولم يبين وصفها، فنبه عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله لكعب بن عجرة وقد مر به يوم الحديبية وهو محرم، فقال له:" أيؤذيك هو أم رأسك؟ فقال: نعم، فقال: نعم فقال: احلق رأسك واذبح نسيكة، أو صم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين بين كل مسكين صاع "، وظاهر الآية يقتضي أن لا فرق بين قليل الشعر وكثيرة بخلاف ما قال أبو حنيفة حين لم يلزم إلا بحلق الثلث، وغيره حين لم يلزم إلا بالربع، وأما التمتع بالعمرة إلى الحج، فقد قيل هو المحصر إذا دخل مكة بكد فوت الحج، وقيل:" هو الناسخ الحج بالعمرة "، وقيل: هو التمتع المعروف في الحج، وهو الأصح ولا يجب الدم فيه إلا أن يكون بأربع شرائط، الأول: الإحرام بالعمرة في أشهر الحج والتحلل منها فيه، والثاني: أن ينسئ الحج من سنته، والثالث: أن لا يعود إلى الميقات لإنساء الحج، والرابع: أن لا يكون من حاضري الحرم، وإن أحرم في رمضان وأخر الطواف إلى شوال ثم أحرم بالحج فهل يلزمه الدم؟
فيه قولان للشافعي، وظاهر إيجاب ما استيسر من الهدى يقتضي أن ذلك بعد الفراغ من