لما قصد بيان كمال الحكم، وأن ذلك يحصل في صوم العشرة، ذكر لفظ العشرة تأكيداً، فإن كان لو قال:(تلك كاملة) كانت مفهومة، وذاك أن الخطاب العامي، أعني ما يفهم به الخاص والعام الذين هم أهل الطبع لا أهل الارتياض بالتعلم لا يكون إلا تكريرات الكلام وزيادات البيان ليحسن إفهام الكافة، ولهذا جاء على القرآن عاما ما يتعلق حكمه بالكافة في غاية الظهور، وما هو مختص علمه بالراسخين في العلم جاء على ضرب من الإيجاز والغموض، إذ كانوا بمعرفتهم يمكنهم أن يتوصلوا إلى حقائقه، وما هو متردد بين العامة والخاصة كذكر التوحيد والنبوة ذكر تارة بلفظ مبسوط، ليظهر منه للعامة ما يفتعهم، وتارة بالفظ وجيز ليستخرج منة الخاصة ما يتضمنه، ولهذا قال فيما يغمض، {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ}، والثالث: أن قوله: (تلك عشرة كاملة) استطراد كلام، وتنبيه على فضيلة علم العدد، وذاك أنه قد قيل: العددُ أول العلوم وأشرفها، أما كونه أولاً، فلأن ما عداه به تميز وتفضل، وأما كونه أشرف، فلأنه لا اختلاف فيه ولا تغيير، بل هو لازم طريقة واحدة، فذكر العشرة، وصفها بالكاملة، إذ هي عدد كمل فيه خواص الأعداد فإن الواحد مبدأ العدد، والاثنين أول العدد، والثلاثة أول عدد فرد، والأربعة أول عدد زوج محدود، أي مجتمع من ضرب عدد في نفسه، والخمسة أول عدد دائر، والستة أول عدد تام، أي إذا أخذت أجزاؤه لم يزد عليه ولم ينقص منه، والسبعة أول عدد أول أي لا يتقدمه عدد بعده، والثمانية أول عدد زوج الزوج والتسعة أول عدد مثلث، والعشرة أول عقد ينتهي إليه العدد، فإن كل عدد بعده مكرر منه بما قبله، فإذن العشرة هي العدد الكامل ..