تختل أحوالهم بعد خروج نبيهم من بينهم، إما أن يقيض لهم من يجدد عليهم شريعتهم السالفة، أو يبعث إليهم نبيا يأتيهم بشريعة مستأنفة، وهذا كان فعله إلى أن ينتهي الأمر إلى نبينا - عليه السلام -، فختم به الأنبياء، فمن قالوا: كانوا أمة في الإيمان، فنظر منه إلى المبدأ وحال الفطرة وما كانوا عليه قبل أن فسدوا، ومن قالوا: كانوا أمة واحدة في الكفر، فنظر منه إلى حين فسادهم، كما بين زمن بعثة نوح وبعثة إبراهيم - عليهما السلام، وكل واحد من القولين صحيح بنظر ونظر، فقد كانوا أمة واحدة في الإيمان طوراً، وأمة واحدة في الكفر طوراً ..
إن قيل: كيف كانوا أمة واحدة في الكفر وقد قيل: لا تخلو الأرض من حجة الله؟.
قيل إن من كان حجة الله - عز وجل - في مثل ذلك الوقت في حكم من لا اعتداد به في كونهم أمة لعلة الإصغاء إليه، وبين تعالى أنه بعث أنبياءه مبشرين للمحسنين ومنذرين للمسيئين، ولم يخل أحدا من أنبيائه من كتاب يرشده ويرشدهم،
إن قيل:
أليس قد قلتم: لم ينزل الكتاب من النبيين إلا على جماعة منهم؟ قيل: إن الله - عز وجل - لم يخل أحدا من الأنبياء من كتاب، إما كتاب خص هو به، وإما كتاب من كان فبله أمر بالاعتماد عليه، كالأسباط الذين كانوا أنبياء، وكتابهم كان التوراة، وعطف قوله {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} على قوله: {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ}، وفصل بينهما بذكر اختلافهم، وأنهم لم يختلفوا إلا من بعد ما جاءتهم البينات ذما للمختلفين، فإن من شأن البينات أن ترفع الخلاف، وعلى هذا قوله:{وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ} الآمة ..
وبين سبب اختلافهم بقوله الله عز وجل - بغياً بينهم تنبيها أن ذلك كان لطلبهم زخرف الدنيا ومنازلها، فمن المفسرين من جعل قوله:(الذين أوتوا الكتاب) مخصوصا في بني إسرائيل والذين آمنوا في هذه الأمة، لقوله: {وَلَا تَكُونُوا