{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} إن قيل؟ كيف أعيد السؤال عما ينفقون وجواب بين الجوابين؟
قيل: أما الأول: فسؤال عن الجنس الذي ينفق، وعمن ينفق عليه، فبين لهم الأمران، وأما السؤال هاهنا فعن القدر المنفق، فأجيبوا بحسبه، فبين أن الذي ينفق هو العفو، وقال ابن عباس: هو الفضل عن الغني، وهو الذي قال الشاعر:
أذا أنت أعطيت الغني ثم لم تجد ...
بفضل الغني ألفيت مالك حامد
وقال الحسن وعطاء:
هو القصد الذي لا إسراف فيه ولا إقتار، وقال مجاهد:
هو الصدقة المفروضة، وكل ذلك مراد، فإن أفل ما تطيب به نفس المسلم هو الصدقة الواجبة، ومن لم تطب نفسه فليس بتام الإيمان، ثم منهم من تطيب نفسه ببذل جل ماله، ومنهم من تطيب لكل ماله، كأبي بكر- رضي الله عنه- فإذن العفو متناول لما هو واجب ولما هو تبرع، وقرئ (العفو) بالرفع والنصب، وذلك لتقديرين مختلفين في ماذا، فإن ماذا تارة تقدر تقدير اسم واحد، فيكون مفعول ينفقون يحق أنه المطابق له بالنصب، وتارة يقدر تقدير اسمين مبتدأ وخبر، فيكون جوابه المطابق له رفعاً أي:" هو العفو "، وقوله:{كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} فيه حث على تجنب الخمر والميسر، وتنبيه على تحريمهما، فإن في التفكر في الدنيا والآخرة معرفتهما ومعرفة منافعهما، وأن النفع القليل في الدنيا لا يجب أن يشترى بكثير الإثم في الآخرة ..