للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكن صارت المتعة في تعارف الشرع، لما تخص به المطلقة، واختلف الناس في المتعة، أواجبة هي أم غير واجبة، فإن وحبت، فلأي مطلقة تجب؟، وكم قدرها؟ وبأي الزوجين تعتبر؟ وأما وجوبها فعند ابن أبي ليلى ليست بواجبه على مطلق، بل إن شاء فعل، وإن شاء ترك، وقالت علي: واجبة لكل مطلقة، وقال مالك وليث: " لا يجيز عليها علي كل حال، وعند الشافعي المطلقات على ثلاثة أضرب، مطلقة قبل الفرض والمسيس، ولها المتعة قولاً واحداً، ومطلقة بعد الفرض والمسيس مفوضة كاتبا، وتسمى لها، وفي وجوب المتعة لها قولان، وأما قدرها، فالصحيح أن لأحد له، وإن كان قد قال بعضهم للموسر خادم، وللمعسر خمار وجلباب ونحوهما من الثياب، وقال الشافعي: واستحسن بقدر ثلاثين درهماً، وأما اعتبار ذلك بأيهما، فقد قال أبو حنيفة بهما، والأظهر أنها تعتبر بالزوج لتخصيصه في الآية، وقوله (أو تفرضوا) تقديره، أو لم تفرضوا فهو معطوف على قوله: تماسوهن، وأوفى نحو هذا الموضع يفيد ما يفيد الواو على وجه، وذاك أنه إذا قيل: " افعل كذا إن جاءك زيد أو عمرو يقتضي أن يفعله إن جاء أحدهما، ولا شك أنه يحتاج أن يفعله إذا جاءا جميعاً، لأنه قد جاء أحدهما وزيادة، وعلى هذا قال النحويون: " جالس الحسين وابن سيرين " يقتضي أنه إذا جالسهما، فقد امتثل، وعلى هذا قوله- عز وجل: {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، فظاهر الآية يقتضي أنه لم يكن مسيس أو لم يكن لها فرض أو لم يكن الأمران، فلها المتعة كالأمثلة المتقدمة، لكن لما حكم لمن فرض لها ولم يمس في الآية التي بعدها صار ذلك كالمستثنى عنه، وكأنه قيل: إذا طلقتموهن ولم يحصل الإمران الفرض والمسيس أو حصل المسيس، ولم يحصل الفرض، فمتعوهن

إن قيل: ما في قوله {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} يقتضي الشرط، وذلك يوجب أن رفع الجناح عن المطلق بشرط عدم المماسة وعدم الفرض، ومعلوم أن الجناح مرفوع عن المطلق، مسها، أولم يمسها، فرض أولم يفرض، فما وجه ذلك؟ قيل: القصد بالآية أن الجناح مرفوع بإعطاء المتعة، فكأنه قيل: لا جناح في طلاقها إذا متعها، ودل على ذلك بقوله: {وَمَتِّعُوهُنَّ}، وقد علم أن الجناح غير مرفوع عمن لم تمتع إذا طلقها قبل الفرض والمسيس، وقوله: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} أي قدر ما يحتمل حالاهما ...

إن قيل: ما وجه تخصيص المحسنين في هذه الآية، والمقتر في قوله: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}، وهلا دل ذلك على أنه غير واجب إن كانت الواجبات من المشروعات لا يختلف فيها المتقي والمحسن وغيرهما، قيل: قد نظر بعض الناس هذا النظر، وقال: لما كان الإحسان قد يكون لما يريد على الواجب، وقد خص بذلك المحسنين دل على أن ذلك حق على المعروف لا إيجاب، وقال أكثرهم: إن ذلك للمحسنين والمتقين لا لتخصيص الإيجاب، بل للتأكيد، وأنه من تمام الإحسان والتقوى، كما أن قوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ليس بتخصيص أنه لا يهدي به إلا المتقين، لكن يبينه على أن الاهتداء به من تمام التقوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>