للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن قيل: فكيف قال: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ} فنسب ذلك إلى الله عز وجل ..

؟

قيل: يجوز أن يكون الله تعالى ألقى ذلك في روعه كإلقاء الوحي في روع أم موسى، ويجوز أن يكون قد أخبره نبي زمانه عن الله، ويجوز أنه نسبه إلى الله لما قصد به وجهه وإن لم يكن الله قد أخبره به، كقوله: ابتلانا الله بكذا، وبين تعالى أن أكثرهم لم يأتمروا له، وقال بعضهم: " إن ذلك جعله الله مثالاً لهم "، ومثلاً مضروباً للدنيا وأتباعها وأن من يتناول منها قدر ما يتبلغ به اكتفى واستغنى وسلم منها ونجا، ومن تناول منها فوق ذلك ازداد عطشاً، وعلى هذا قيل: " الدنيا كالماء المالح "، من ازداد منها شرباً ازداد عطشاً، وإلى هذا أشير في الخبر المروي " أن الله - عز وجل - إذا سأله عبد شيئاً من عروض الدنيا أعطاه، وقال له: خذه وضعفه حرصاً " وإياه عني النبي - عليه الصلاة والسلام بقوله: (لو أن لابن آدم واديين ذهب، ابتغى إليهما ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)، وقوله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} يجوز أن يكون معطوفاً على (هو ومعه) من صلة (آمنوا)، ويجوز أن يكون: (الذين آمنوا، ومعه) خبره، وهو الأجود، لأن الأظهر في قوله: {لَا طَاقَةَ لَنَا} إن ذلك حكاية عمن شربوا، وإليه ذهب ابن عباس والسدي وقالا: " هم أهل الكفر لا الذين آمنوا "، وقال الحسن وقتادة وابن زيد: " الذين قالوا: " لا طاقة لنا " هم المؤمنون " وقوله: {قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ} ظن ها هنا هو المفسر باليقين عند أهل اللغة، وهو المعرفة الحاصلة عن امارة قومه، ويدل على ذلك استعمال أن المشددة أو المخففة منها، نحو: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} وإذا أريد الشك، استعمل معه (إن) التي تصحب المعدومين من الفعل، وقوله: (من) يجوز أن يكون استفهاماً، وأن يكون خبراً وإن كان معنى الاستفهام يعود إلى معنى الخبر، ولكن متى قدر استفهاماً نصب فيه إذا حذف عنه من، وإذا قدرته خبراً وجرت، وسكن منهم بأن عرفهم أن لا اعتبار بكثرة العدد وقلته وأحالهم على معرفتهم بالأعداد القليلة الغالية الكثيرة، وقد تقدم الكلام في قوله تعالى: {وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} ..

<<  <  ج: ص:  >  >>