لم تخص بمجموعها إلا بعض الأنبياء، وجعل لبعضهم النبوة دون الملك، وإن لم يخل أحد منهم من نصرته - لقوله تعالى:
{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا} وقال لموسى عليه الصلاة والسلام: {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا} وقال: {فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} لقوله {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ} فالكتاب: الأحكام، والميزان: العدالة، ومعنى الحكمة قد تقدم أنها معرفة حقائق الأشياء وحقيقتها إنما هي لله عز وجل، وإذا استعمل في غيره، فمبلغ ذلك تقدم طاقة البشر، وهي أعم من النبوة، فكل نبي حكيم، وليس كل حكيم نبياً، وقوله:{وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} إشارة إلى العلوم النبوية التي لا وصول إليها إلى بالوحي، وفي قوله تعالى:
{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ} تنبيه على فضيلة الملك، وأنه لولاه لما استتب أمر العالم، ولهذا قال الدين والملك مقترنان، وتوأمان لا يفترقان، ففي ارتفاع أحدهما ارتفاع الآخر، لأن الدين أس، والملك حارس، ومالا أس له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع، وعلى ذلك قوله:{وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} الآية
إن قيل: على أي وجه دفع الله الناس ببعضهم؟ قيل: على وجهين أحدهما: دفع ظاهر، والثاني دفع خفي، قال: فالظاهر، ما كان بالسواس الأربعة الذين هم الأنبياء، والملوك، والحكماء والوعاظ، فسلطان الأنبياء على الكافة خاصهم، وعامهم، وظاهرهم، وباطنهم، وسلطان الملوك على ظواهر الكافة دون الباطن وسلطان الحكماء على الخاصة دون العامة، وسلطان الوعاظ على بواطن العوام وأما الدفع الخفي فسلطان العقل، فالعقل يدفع عن كثير من المقابح، وهو السبب في التزام حكم السلطان الظاهر، وقوله تعالى:{وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}
إن قيل: ما فائدة ذلك بعد قوله: آنفاً {إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}؟