يوصف به غيره إذا كان معناه: الذي كثرت رحمته، وعلى ذلك:" نديم " و " ندمان "، فإن " النديم ": هو الذي كثرت منادمته.
و" النُّدْمَانُ ": هو الذي مع كثرة ذلك منه تكررت عنه، ولذلك قال أهل اللغة:" ندمان " أبلغ من " نديم "، ولفظهما يدل على ذلك، فإن العرب إذا أرادوا زيادة معنى زادوا في اللفظ في الأمر العام، كأنما يحاكي باللفظ المعنى، نحو " قَطَعَ " و " قَطَّعَ "، و " كُبَار " و " كُبَّار "، و " أحمر: و " احمار "، وذلك فصل قد أحكم في غير هذا الموضع،
فإن قيل: ما الفائدة في الجمع بينهما مع أن " الرحمن " يقتضي معنى " الرحيم " إذ هو أبلغ منه؟ قيل: إنه تعالى لما خلق الدارين وكان في دار الدنيا منعماً على المؤمن والكاففر: واختص رحمته بالمؤمنين في الآخرة - ولذلك قيل: رحمن الدنيا، ورحيم الآخرة، وقال تعالى:{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} جمع بين الوصفين، وأما ذكر " الرحيم " بعد " الرحمن " فذكر خصوص بعد عموم.
وروى عن عطاء أنه قال: كأن الله أختص بالرحمن، فلما تسمى بذلك بعض الكفار قال: " الرحمن الرحيم ": إذ كان الاسمان معاً لم وصف غير الله به بوجه.
وقدم ذكر " الله " إذ هو أخص الأسماء.
و" الرحم " و " الرحمة " مشتق بعضها من بعض، وقد دل على ذلك قوله عليه السلام:(لما خلق الله الرحم، قال: أنا الرحمن، وأنت الرحم، شقتت لك اسماً من اسمي، فو عزتي وجلالي لأصلن من وصلك، ولأقطعن من قطعك).
ومعنى ذلك أن الله تعالى لما جعل بين نفسه وبين عباده سبباً، فهو كما أنه كتب على نفسه الرحمة لعباده، وأوجب عليهم من مقابلتها شكر نعمته لما كان هو السبب الأول في وجودهم وخلق قواهم وقدرهم وسائر خيراتهم، كذا أيضاً (جعل) بين ذوي اللُّحْمَةِ بعضهم مع بعض سبباً أوجب به على الأعلى التوقر على الأدون، وعلى الأدون توقير الأعلى، فصار بين " الرحم " و " الرحمة " والرحمة مناسبة معنوية، كما أن بينهما نسبة لفظية، ولهذا عظم شكر الوالدين، فقرنه بشكره في قوله تعالى:{اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} تنبيهاً أنهما السبب الأخير في وجود الولد، كما أن الله تعالى السبب الأول في وجود كل موجود.