للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومجازات اللغة، ونظر من المعنى إلى اللفظ لا من اللفظ إلى المعنى، ومن لم يعرف ذلك فحقه أن يسلم اللفظ للرواية دون تكذيب الآية، ويترك الخوض فيما لا يعلم إتباعاً لقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وليس في إثبات الكرسي له إثبات كونه جسماً محدوداً، كما أنه ليس في إثبات البيت له إثبات كونه ساكنة وليس في نسبة القدم إليه إثبات جارحة، كما أنه ليس في قوله - عليه الصلاة والسلام في وصف أولياء الله عز وجر - " أكون سمعه الذي يسمع به، وعينه التي يبصر بها، ويده التي يبطش بها " إثبات جارحة، و " لا يؤوده " - لا يثقله أصله من الأول العوج، ولما جرت العادة أن متحمل الثقل يعوج في الممر استعير (أده) كذا للثقل، وقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} معناه: الله هو الذي يحق له العبادة لا غير، وقيل: الله الذي ولهت الأشياء كلها له، وذاك أنه ما من إنسان مؤمن وكافر، بل ما من حيوان إلا إذا نابته نابية شديدة اعتمد عليه، ووله إليه، ولهذا قيل: " الله محبوب الأشياء كلها إما بطبعها، وإما بقصدها، وقوله: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} تأكيد لما اقتضاه الحي القيوم - تنبيهاً أنه وإن شارك الأحياء في الاسم، فقد فارقها في الحقيقة، إذ كان سائر الأحياء لا ينفك من غفلة ونوم ..

إن قيل: كيف خص بملكه ما في السماوات والأرض، وذلك يوهم أن ليس له السماوات والأرض؟

قيل: لم يرد بقوله (في السماوات والأرض) معنى الشيء في الوعاء وفي المكان، وإنما يريد ما تركب منه السماوات والأرض من الجواهر والصور والأعراض والصنع، فصار ذلك من وجه أبلغ من قولك (له السماوات والأرض)، إذ قد يحصل للمالك ما ليس بمصنوعه، على أنا لو نظرنا من حيث

<<  <  ج: ص:  >  >>