بل هو سبب وجود جميعها، وأنه يصح ارتفاع كل ما عداه مع بقائه تعالى، وبهذا النظر قال أبو بكر - رضي الله عنه - " سبحان من لم يجعل لخلقه سبيلاً إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته "، وقال بعض الأولياء:" غاية معرفة الله أن تعلم أنه يعرفك لا أنك تعرفه "، ولهذا قيل:{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} وقال أمير المؤمنين:
" تجلى لعباده في القرآن من غير أن يروه، وأراهم نفسه من غير أن يتجلى لهم "، وقوله:{إِلَّا بِمَا شَاءَ} أي: إلا بما شاء أن يقفهم عليه من القليل الذي قال: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ثم أكد بما فيه عليه بقوله: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} بقوله: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} أي إذا كان علمه ومملكته وقدرته محيطة بهذه الأشياء والإنسان بعض هذه الأشياء، فكيف تصح إحاطته بمن هو محيط بهذه الأشياء وهو يعجز عن الإحاطة بها، والعلي هو القاهر فوق عباده، وقيل: العلي عن النظير، وقيل: القادر على حفظه، وقيل: القائم به، وكل ذلك راجع إلى التنبيه على قدرته وسلطانه وأن ما عداه مستحقر بالإضافة إليه.