في الحقيقة اسم لمن يملك السياسة من نفسه أو منها أو من غيرها، ومالك ذلك من نفسه أجل ملك وأكبر سلطان ولذلك قيل لحكيم: ما الملك الأعظم؟ فقال: أن يغلب الإنسان شهواته، بل لهذا قال عليه السلام لمن سأله أي الأعمال أشدُّ؟ فقال: " جهادُكّ هَواَكَ "، وقال: " رَجَعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر "، وحجة من قرأ ملك قوله تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} وقوله: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} والملك: مصدر " الملك " لا " المالك ".
وأما " المالك ": فهو الضابط للشيء المتصرف فيه بالحكم، ومنه " ملكت العجين ".
و" الوكيل ": وإن كان ضابطاً للشيء متصرفاً فيه - فإنه لا يقال له: " مالك " لما كانت يده يد غيره.
ويقال للصبي والمعتوه: " مالك " لما كان ذلك لهما حكماً وإن لم يكن لهما فعلاً.
وحجة قارئه قوله - عز وجل - {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ}، فجعل الملك مملوكاً.
وقال {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}، وقوله: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا}.
فإن قيل: أيهما أبلغ؟ قيل: قال بعضهم: " مالك " أبلغ، لأنه يقال: مالك الدراهم والحيوانات والريح، ولا يقال ملكها.
وقيل: " الملك " أبلغ، لأنه لا يمكن إلا مع تعظيم.
وهما مختلفان في الحقيقة.
فإن الملك: هو المتصرف بالأمر والنهي في المأمورين.
والمالك: هو المتصرف في الأعيان المملوكة على أي وجه كان.
فإن قيل: على أي وجه أضيف إلى اليوم؟ قيل: أما " ملك "، فعلى حد: يا سارق الليلة أهل الدار.
في أنه اتسع للظرف.
فجعله مفعولاً به، وأما " مالك " فمضاف إلى المفعول به.
لأنه تعالى هو موجده وضابطه.
وإذا أضيف إلى " الوقت " غير الله تعالى فيقال: فلان مالك يوم كذا.
فإنما هو على تجوز إذ كان حقيقة اليوم والوقت ليس بملك لغيره.
وأما اختصاص ذلك اليوم مع كونه في الحقيقة مالكاً لجميع الأشياء، وفي جميع الأزمنة - لأمرين: أحدهما: أنه قد ملك في الدنيا قوماً أشياء يبطل عنها ملكهم لها يوم القيامة، ولذلك قال: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}، وقال: {نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا}، وقال: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ}