قيل: على الوجهين اللذين ذكرهما الله أحدهما بالوسوسة، وهو أن يلقي في روع الإنسان أن أمراً ما يصير داعيا له إلى فعل يريده ويختاره، وإياه قصد بقوله تعالى:{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ}.
والثاني: بدخوله في خلال جسده، وإياه عنى بقوله:{الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وقال عليه الصلاة والسلام: " الشيطان يجري من أبن أدم مجرى دمه "، وما قالوه من أن، الشيطان لو قدر على خبط الإنسان لسرق ثيابه فلجهلهم بأمر الشيطان وجهة عداوته للإنسان وخصائص فاعله إلا أننا نرى أنما الحيات والعقارب تعادينا ولا تسرق أمتعتنا، وقد تقدم في ذكر السحر أن السحرة والشيطان لا يمكنها أن تفعل كل فعل كما ظنته المعتزلة، ولا أن تؤثر في كل واحد، وإنما تقدر على أفعال مخصوصة في أقوام ضعاف القلوب ومختلي العقول قليلي العبادة، وإذا أثرت تأثيراً ضعيفاً، ويقوى ذلك مما روي في قصة خالد بن الوليد أنه لما وجهه النبي - صلى الله عليه وسلم - لهدم العزى تصور أنه خيال كان يفزع منه غيره إذا أبصره ويدبر عنه، فأقدم خالد لقوة قلبه وشدة شكيمته في الدليل، فهدمه، وإلى تخويف الشيطان الإنسان يرجع قوله مخبراً عن قوم هود:{إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} ولولا تلبيس الشيطان عليهم لما أقاموا على عبادة أجسام أموات وأشباح جماد، وقد وصف الله سبحانه ضعف سلطان الشيطان علي المؤمن فقال:{إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} الآية ...
، واستبعاد المعتزلة تأثير الشيطان، إنما هو لخروجهم بتحديقهم عن حد العامة في التزام ما تلزمهم الشريعة الإقرار به، وقصورهم بسوء تصورهم وفساد طريقتهم عن إدراك حقائق ما ورددت ما به الشريعة حسب ما أدركه الحكماء الذين وصفهم الله بقوله:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} فصاروا في كثير من ذلك كما قالوا: " لا مال أبقيت، ولا حرك أبقيت ".