كل نبي كتاب مفرد، بل في الأنبياء من استعبد بكتاب الله من يقدمه وقوله:{لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}، أي: يقولون ذلك ولم يعن أنهم يتفوهون به فقط، بل يعتقدون ويتحرون مقتضاه بخلاف اليهود والنصارى، حيث آمنوا ببعض وكفروا ببعض، ولأن تابع الحق والحقيقة هو الذي يعرفه، ومن عرفه تبعه حيث وجده، فامحق من حيثما هو حق لا يخالف بعضه بعضاً، وإنما الباطل هو الذي يتناقض ولا يتطابق، ومن هذا الوجه قال:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}.
وإذا كانت الأنبياء على الحق، فلا يعاند بعضهم بعضاً، إذ لا معاندة في الحق ...
إن قيل: لم قال: {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} وبين تستعمل في شيئين فصاعداً، فكيف قال:{بَيْنَ أَحَدٍ}؟ أيتناول الجنس على طريق الجملة والتفصيل ولذلك لا يستعمل إلاً في الاستفهام والنفي فنبه بذكره هاهنا أنه لا يفرق بينهم لأعلى طريق الجملة وعلى طريق التفصيل.
وقال في الكفار:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ}
وقاله:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} أي سمعنا قولك، وأطعنا أمرك بخلاف من قال:{سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} وقوله: {غُفْرَانَكَ}، أي " أنزل غفرانك "، أو نسألك غفرانك، واغفر لنا غفرانك، وكل ذلك متقارب، " واليك المصير " اعتراف بما وعدهم بقوله: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ}