فهذه الأقاويل اختلف باختلاف أنظارهم إلى أبعاض الهداية وجزئياتها والجميع يصح مراداً بالآية إذ لا تنافي بينها.
وبالله التوفيق.
وقوله:{الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}" يقال: الصراط، والسراط، والزراط، والأصل من: سرطت الطعام، وزردته: إذا ابتلعته، وسمي الطريق بذلك تصوراً أنه إما أن يبتلعه سالكه، أو يبتلع هو سالكه، ذلك ألا ترى أنه قيل: فلان أكلته المفازة - إذا أضمْرَتَهُ أو أهْلَكَتْهُ.
وأكل المفازة - إذا قطعها - وعلى هذا النحو قال [أبو تمام]
رَعَتْهُ اْلَفَيافي بَعْدَمَا كَانّ حِقْبَةٌ ...
رَعَاهَا وَمَاءُ الرَّوْضِ يَنْهَلُّ سَاكِبُهْ
ويقال: قتل أرضاً عالمها.
وقتلت أرض جاهلها.
وسمي الطريق: " الَّقّمْ وْاُلْملْتَقِم " - على هذا المحو - وذلك في معنى: " الملقوم " كالنقض والرفض في معنى " المنقوض " و " المرفوض ".
و" المستقيم ": القائم بالقسط، قال:
أمير المؤمنين على صراطٌ ...
إذا أعْوَج الْموَارِدُ مُستَقيمُ.
وذلك قد تصور على وجهين: أحدهما: أنه إشارة إلى أن الطريق المستقيم " واحدة " بإضافتها إلى طرق الضلال واحد، وطرق الضلال كثيرة، وعلى هذا النحو، قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}، وروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط ستور مرخاة، وعلى رأس الصراط داع يقول:" أدخلوا الصراط ولا تعوجوا "، ثم قال:" الصراط: الإسلام، والستور المرخاة: محارم الله.