فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:" المغضوب عليهم " - ههنا: اليهود، و " الضالين ": النصارى، ودل على ذلك قوله في اليهود {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ}، وقوله في النصاري:{وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}،
إن قيل: كيف فسر على ذلك كلا الفريقين ضال ومغضوب عليه؟ قيل: هو كذلك، ولكن خص تعالى كل فريق منهم بصفة كانت أغلب عليهم، وإن شاركوا غيرهم في صفات ذم.
إن قيل: ما الفائدة في ترادف الوصفين، وأحدهما يقتضي الآخر؟ قيل إن: اقتضاء أحدهما الآخر من حيث المعنى، وليس من شرط الخطاب أن يقتصر في الأوصاف على ما يقتضي وصفاً آخر دون ذلك الآخر.
ألا ترى أنك تقول:" حي سميع، بصير "، والسمع والبصر يقتضي الحياة.
ثم ليس من شرط ذلك أن يكون ذكره لغواً, وإنما ذكر {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} لأن الكفار قد شاركوا المؤمنين في إنعام كثير عليهم، فبين بالوصف أن المراد بالدعاء، ليس هو النعم العامة، بل ذلك نعمة مخصوصة، وقوله:" غير " إذا خفض: فصفة، ويصح أن يوصف ما فيه الألف واللام، ويدل على الجنس بـ " غير " و " مثل " وأخواتها، لكونه قريباً من النكرة ولا يصح أن يوصف به ما فيه الألف واللام، ودل على العهد، ولا سائر المعارف، ويجوز خفضه على البدل: وإذا نصب: فحال: إما من الضمير في " عليهم " أو من " الذين " قال الأخفش: ويصح أن يكون استثناء.
ولم يجوز ذلك الفراء، لأن الاستثناء لا يعطف عليه بـ " لا "، لا تقول: رأيت القوم إلا زيداً ولا عمرواً، قال أبو علي الغمري - رحمه الله - من جعله استثناء فإنه يقول: أدخل عليه " لا " حملاً على المعنى قولهم: " أتاني القوم إلا زيداً " أتوني لا زيداً.
وتجعل " لا " زائدة "، وزل أبو علي الجبائي في قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} زلة عظيمة في النحو، وقال: ذكر " المغضوب " بلفظه المفرد، وهو يعني الجماعة، قال: إلا أن هذا يجوز في سعة الكلام، وخفي عليه أن المتعدي بالجار يدخل التثنية والجمع على الضمير المتصل به دون لفظ المفعول.