قلتم: أعطانا دون حقنا وقصر بنا عن قدرنا، فصرت كالمسلوب، والمسلوب لا حمد له، هذا مع إنصاف قائلكم وإسعاف سائلكم، قال: فأقبل ابن عباس فقال: أما والله ما منحتنا شيئاً حتى سألناه ولا فتحت لنا باباً حتى قرعناه، ولئن قطعت عنا خيرك فالله أوسع خيراً منك، ولئن أغلقت دوننا بابك لنكفنَّ أنفسنا عنك، وأما هذا المال فليس لك منه إلا ما لرجل واحد من المسلمين، ولنا في كتاب الله حقان: حق في الغنيمة وحق في الفيء. فالغنيمة ما غلبنا عليه والفيء ما احتسبناه ولولا حقنا في هذا المال لم يأتك منا زائر يحمله خفٌ ولا حافر. كفاك أم أزيدك قال: كفاني فإنك لا تهرّ ولا تنبح.
وحكى المدائني قال: قام عمرو بن العاص في موسم من مواسم العرب فأطرى معاوية بن أبي سفيان وبني أمية وذكر مشاهده بصفين، واجتمعت قريش فأقبل عبد الله بن عباس على عمرو فقال: يا عمرو إنك بعت دينك من معاوية وأعطيته ما بيدك، ومنّاك ما بيد غيره، فكان الذي أخذ منك أكثر مما أعطاك، والذي أخذت منه دون الذي أعطيته، وكل راضٍ بما أخذ وأعطي، فلما صارت مصر في يدك كدرها عليك بالعزل والتنغيص حتى لو كانت نفسك بيدك ألقيتها، وذكرت مشاهدك بصفين فوالله ما ثقلت علينا وطأتك ولقد كشفت فيها عورتك، وإن كنت لطويل اللسان، قصير السنان، آخر الخيل إذا أقبلت، وأولها إذا أدبرت، لك يدان: يد لا تبسطها إلى خير وأخرى لا تقبضها عن شر، ووجهان: وجه موحش ووجه مؤيس، ولعمري ان من باع دينه بدنيا غيره لحريّ أن يطول ندمه. لك لسان وفيك خطل، ولك رأي وفيك نكد، ولك قدر وفيك حسد، فأصغر عيب فيك أكبر عيب فيّ.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: ما رأيت رجلاً لي عنده معروف إلا أضاء ما بيني وبينه. وقال رضي الله عنه: أربعة لا أقدر على مكافأتهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي في حاجتي، فأما الرابع فما يكافئه عني إلا الله عز وجل، قيل: ومن هو قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر فيمن يقصده ثم رآني أهلاً لحاجته فأنزلها بي.