للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٦)

(ترجمة بديع الزمان الهمذاني، رقم: ٥٢، ص: ١٢٧، س: ١٩)

وكان (١) صاحب عجائب وبدائع وغرائب، فمنها إنه كان ينشد القصيدة لم يسمعها قط وهي أكثر من خمسين بيتاً فيحفظها كلها ويؤديها من أولها إلى آخرها لا يخرك حرفاً، وينظر في الأربع والخمس الأوراق من كتاب لم يعرفه ولم يره نظرة واحدة خفيفة ثم يهذها عن ظهر قلبه هذاً ويسردها سرداً؛ وهذه الحالة في الكتب الواردة وغيرها، وكان يقترح عليه عمل قصيدة أو إنشاء رسالة في معنى بديعٍ وباب غريب فيفرغ منها في الوقت والساعة والجواب عنها فيها، وكان ربما يكتب الكتاب المقترح عليه فيبتدئ بآخر سطوره قم هلم جرا إلى الأول ويخرجه كأحسن شيء وأملحه، وكان مع هذا كله مقبول الصورة خفيف الروح حسن العشرة شريف النفس كريم العهد خالص الود حلو الصداقة مر العداوة، وكانت بينه وبين الخوارزمي منافرة ومناكرة ومناظرة بكته البديع فيها وأسكته؛ وتصرفت به أحوال جميلة وأسفار كثيرة ولم يبق من بلاد خراسان وسجستان وغزنة بلدة إلا دخلها وجنى ثمرتها واستفاد خيرها وميرها، وألقى عصاه بهراة واتخذها دار قراره ومجمع أسبابه، وحين بلغ شده وأربى على الأربعين سنة ناداه الله فلباه وفارق دنياه فقامت عليه نوادب الأدب وانثلم حد القلم، على أنه ما مات من لم يمت ذكره، ولقد خلد من بقي على الأيام نثره ونظمه، وأنا ذاكر من طرف ملحه ولفظ غرره ما هو غذاء القلب وقوت النفس ومادة الأنس.

فصل (٢) : وفيما يقول الناس من حكايتهم أن أعرابياً نام ليلة عن جمله ففقده فلما طلع القمر وجده فرفع إلى الله يده وقال: أشهد لقد أعليته وجعلت السماء بيته، ثم نظر إلى القمر فقال: إن الله صورك ونورك وعلى البروج دوّرك وإذا


(١) من يتيمة الدهر ٤: ٢٥٦، ٢٨٧.
(٢) من هنا وحتى نهاية النص اشتركت نسختا د وآيا صوفيا (٣٠ ب) في هذه الزيادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>