محبتي للتوفير، ورغبتي في التثمير، وجمعي للولد، وادخاري لغد، فلم أجد فيه مستبقياً لبقاء، ولا مدفعاً لعناء، لأنه ليس بأنثى فتلد، ولا بفتى فينسل، ولا بصحيح فيرعى، ولا بسليم فيبقى؛ فقلت: أذبحه ليكون وظيفة للعيال، وأقيمه رطباً مقام قديد الغزال، فأنشدني وقد أضرمت النار وحدت الشفار:
أعيذها نظرات منك صادقة ... أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم ثم قال: وما الفائدة في ذبحي ولست بذي لحم فأصلح للأكل لأن الدهر قد أكل لحمي، ولا ذي جلد يصلح للدباغ لأن الأيام قد مزقت أدمي، ولا ذي صوف يصلح للغزل لأن الحوادث قد حصت وبري؛ فإن أردتني للوقود فكيف يعز أنفي من ناري ولريقي حرارة جمري بريح قتاري فلم يبق إلا أن تطالبني بذحل أو بيني وبينك دم. فوجدته صادقاً في مقالته، ناصحاً في مشورته، ولم أعلم من أي أمريه أعجب: أمن مطالبته للدهر بالبقاء، أم صبره على الضر والبلاء، أم قدرتك عليه مع عدم مثله، أم هديتك إياه للصديق مع خساسة قدره. ويا ليت شعري وأنت فيما أنت فيه، وهديتك هذا الذي كأنه نشر من القبور، أو قام عند النفخ في الصور، ما كنت مهدياً لو أني رجل من عرض الكتاب كأبي علي وأبي الخطاب ما كنت مهدياً إلا كلباً أجرباً أو قرداً أحدباً، والسلام.
(آيا صوفيا: ١٠ ب ١١ ب)
[الصابئ صاحب الرسائل]
(الترجمة رقم: ١٥، ص: ٥٣، س: ١٢، بعد قوله: إن كنت مالي)
ومن بديع شعره قوله:
وكم من يد بيضاء حازت كمالها ... يد لك لا تسود إلا من النقس
إذا رقشت بيض الصحائف خلتها ... تطرز بالظلماء أودية الشمس (آيا صوفيا: ١١ ب)