الأمير أبو العباس أحمد بن طولون، صاحب الديار المصرية والشامية والثغور؛ كان المعتز بالله قد ولاه مصر، ثم استولى على دمشق والشام أجمع وانطاكية والثغور في مدة اشتغال الموفق أبي أحمد طلحة بن المتوكل، وكان نائبا عن أخيه المعتمد على الله الخليفة وهو والد المعتضد بالله، بحرب صاحب الزنج.
وكان أحمد عادلاً جواداً شجاعاً متواضعاً حسن السيرة صادق الفراسة، يباشر الأمور بنفسه ويعمر البلاد ويتفقد أحوال رعاياه ويحب أهل العلم، وكانت له مائدة يحضرها كل يوم الخاص والعام، وكان له ألف دينار في كل شهر للصدقة، فأتاه وكيله يوماً فقال: إني تأتيني المرأة وعليها الإزار وفي يدها خاتم الذهب فتطلب مني، أفأعطيها فقال له: من مد يده إليك فأعطه. وكان مع ذلك كله طائش السيف، قال القضاعي: يقال إنه أحصي من قتله ابن طولون صبراً ومن مات في حبشه فكان عددهم ثمانية عشر ألفا. وكان يحفظ القرآن الكريم، ورزق حسن الصوت، وكان من أدرس الناس القرآن، وبنى الجامع المنسوب إليه الذي بين القاهرة ومصر في سنة تسع وخمسين ومائتين، وهذه الزيادة حكاها الفرغاني في تارخه، وذكر القضاعي في كتاب الخطط أنه شرع في عمارته سنة أربع وستين ومائتين، وفرغ منه في سنة ست وستين ومائتين، والله أعلم، وأنفق على عمارته مائة ألف وعشرين ألف دينارعلى ما حكاه أحمد بن يوسف مؤلف سيرته. وكان أبوه مملوكاً أهداه نوح بن أسد الساماني عامل بخارى إلى المأمون في جملة رقيق حمله إليه في سنة مائتين، ومات طولون في سنة أربعين ومائتين.
(١) أخباره في كتب التواريخ العامة، وسيرة أحمد بن طولون للبولي، والمغرب (قسم مصر) .