وكانت ولادته في صفر سنة خمس خمسمائة. وتوفي ليلة الاثنين السابع والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين وخمسمائة ببغداد، ودفن من الغد بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، بباب حرب، عند أبيه وأهله، وكان صحيح الذهن والحواس إلى أن مات، وتسرى مائة وثمانياً وأربعين جارية، رحمه الله تعالى.
٤٠٥ - (١)
[عبد الحميد الكاتب]
عبد الحميد بن يحيى بن سعد مولى بني عامر بن لؤي بن غالب، الكاتب البليغ المشهور؛ وبه يضرب المثل في البلاغة، حتى قيل فتحت الرسائل بعبد الحميد، وختمت بابن العميد. وكان في الكتابة وفي كل فن من العلم والأدب إماماً، وهو من أهل الشام، وكان أولاً معلم صبيةٍ يتنقل في البلدان، وعنه أخذ المترسلون، ولطريقته لزموا ولآثاره اقتفوا، وهو الذي سهل سبيل البلاغة في الترسل، ومجموع رسائله مقدار ألف ورقة. وهو أول من أطال الرسائل واستعمل التحميدات في فصول الكتب، فاستعمل الناس ذلك بعده، وكان كاتب مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي آخر ملوك بني أمية المعروف بالجعدي، فقال له يوماً وقد أهدى له بعض العمال عبداً أسود فاستقله: اكتب إلى هذا العامل كتاباً مختصراً، وذمه على ما فعل، فكتب إليه " لو وجدت لوناً شراً من السواد وعدداً أقل من الواحد لأهديته، والسلام ".
ومن كلامه أيضاً: القلم شجرة ثمرتها الألفاظ، والفكر بحر لؤلؤه الحكمة.