قال أبو عبد الله أحمد بن حمدون النقيب: لقيت إسحاق بن إبراهيم الموصلي بعدما كف بصره فسألني عن أخبار الناس والسلطان فأخبرته ثم شكوت إليه غمي بقطع أذني فجعل يسألني ويعزيني، ثم قال لي: من المتقدم اليوم عند أمير المؤمنين والخاص من ندمائه قلت: محمد بن عمر، قال: ومن هذا الرجل وما مقدار أدبه وعلمه فقلت: أما أدبه فلا أدري، ولكني أخبرك بما سمعت منه منذ قريب؛ حضرنا الدار يوم عقد المتوكل لأولاده الثلاثة فدخل مروان بن أبي حفصة فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
بيضاء في وجناتها ... ورد فكيف لنا بشمه فسر بذلك سروراً شديداً وأمر فنثر عليه بدرة دنانير وأن تلقط وتطرح في حجره وأمره بالجلوس وعقد له على اليمامة والبحرين، فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت كاليوم ولا أرى أبقاك الله ما دامت السموات والأرض، فقال محمد بن عمر: هذا بعد عمر طويل إن شاء الله، فقال لي إسحاق: ويلك، جزعت على أذنك، رغمك قطعها لمَ حتى تسمع مثل هذا الكلام ولك لو إن لك مكوك آذان أيش كان ينفعك مع هؤلاء
وكان سبب قطع أذنه إن الفتح بن خاقان كان يعشق شاهك خادم المتوكل واشتهر الأمر فيه حتى بلغه، وله في أشعار منها:
أشاهك ليلي مذ هجرت طويل ... وعيني دماً بعد الدموع تسيل
وبي منك والرحمن ما أطيقه ... وليس إلى شكوى إليك سبيل
أشاهك لو يجزى المحب يوده ... جزيت ولكن الوفاء قليل وكان أبو عبد الله يسعى فيما يحبه الفتح فعرف المتوكل الخبر فقال: إنما أردتك