للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢٤)

(ترجمة إسحاق الموصلي، رقم: ٨٧، ص: ٢٠٤، س: ٦)

وذكر ابن السندي أن إسحاق النديم اتخذ دعوة فجاءته الهدايا من كل وجه؛ وكان في جيرانه رجل مملق، فوجه إليه بجراب أشنان وجراب ملح، وكتب إليه: لو تمت الإرادة لي بحسب النية وملكتني القدرة لبسط الجدة لبدرت السابقين إلى برك، ولكنت إمام المتقدمين في إكرامك، كن البضاعة قعدت عن الهمة، وقصرت عن مساواة أهل الثروة، وكرهت أن تطوي صحيفة البر، ولا يكون لي فيها ذكر، فوجهت بالمبتدأ لطيبه ويمنه، وبالمختوم به لطهارته ونظافته، مصطبراً على ألم التقصير؛ فأما ما سوى ذلك فالمعبر عنا فيه كتاب الله عز وجل (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله) .

ومما يناسب هذه النادرة ما حكى جعفر بن قدامة عن مية البرمكية قالت: كانت لأم علي بنت الراس جارية مغنية يقال لها مكر، وكانت من أحسن الناس وجهاً وغناء، وكان لها رفقاء من الكتّاب ووجوه التجار، كان أبو يحيى الكيبخي يعاشرها، فاقتصدت يوماً فأهدى إليها رفقاؤها صنوف الهدايا، وبعث إليها أبو يحيى ثلاث سلال مختومة فإذا سلة فيها ماش ومعه رقعة فيها: الماش خير من لاش، وفي الأخرى عصافير بأجنحتها فلما فتحت طارت ومعها رقعة فيها: يا سيدتي أعتقت عنك هؤلاء المساكين ولو كان بدلها عبيداً لأعتقتهم، وفتحت الأخرى فإذا هي فارغة وفيها رقعة مكتوب فيها: يا مولاتي لو كان عندي شيء لبعثت إليك بشيء، ولكن ليس عندي شيء فلم أبعث إليه بشيء، فضحكوا وبعثوا إليه بنصيب وافر من كل ما أهدي إليها، وكتبت إليه أم علي: أعطي لله عهداً إن لم تكن هديتك أملح من كل هدية وردت إلينا، وفي هداياي متسع والإنجاز أمثل؛ وأخباره كثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>