هوى وكان قتله يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين، وقيل جمادى الآخرة، وكان سنه اثنتين وسبعين سنة، رضي الله عنه؛ وجاء الخبر إلى الحجاج فسجد وجاء هو وطارق حتى وقفا عليه فقال طارق: ما ولدت النساء اذكر من هذا، فقال الحجاج: أتمدح من يخالف طاعة أمير المؤمنين قال: نعم، هو أعذر لنا ولولا هذا ما كان لنا عذر بالمحاصرة وهو في غير خندق ولا حصن ولا منعة منذ سبعة أشهر ينتصف منا بل يفضل علينا في كل ما التقينا، فبلغ كلامهما عبد الملك فصوّب رأي طارق.
وحكى الشعبي قال: حضرت عبد الله بن الزبير وهو يخطب بمكة فقال في آخر خطبته: أما والله لو كانت الرجال تصرف لصرفتكم تصريف الذهب بالفضة، أما والله لوددت أن لي بكل رجلين منكم رجلاً من أهل الشام بل بكل خمسة بل بكل عشرة، فما بكم يدرك الثأر ولا بكم يمنع الجار. فقام إليه رجل من أهل البصرة فقال: ما نجد لنا ولك مثلاً إلا قول الأعشى:
علقتها عرضاً وعلقت رجلاً ... غيري وعلق أخرى غيرها الرجل علقناك وعلقت أهل الشام، وعلق أهل الشام بني مروان فما عسانا أن نصنع قال الشعبي: فما سمعت بجواب أحضر منه ولا أحسن.
ثم دخل الحجاج مكة فبايع من بها من قريش، وبعث برأس ابن الزبير وجماعة إلى المدينة فنصبوا بها ثم ذهب بها إلى عبد الملك بن مروان فبعث عبد الملك برأس ابن الزبير إلى عبد الله بن خازم الأسلمي وهو بخراسان والٍ من جهة ابن الزبير، وكتب إليه عبد الملك يدعوه إلى طاعته ويقول له: بايعني حتى أجعل لك خراسان طعمة سبع سنين، فقال ابن خازم لرسوله: لولا أن الرسل لا تقتل لأمرت بضرب عنقك، ولكنَ كل كتاب صاحبك، فأكله، ثم أخذ الرأس فغسله وطيّبه وكفنه ودفنه، وقيل: إنه بعث به إلى آل الزبير إلى المدينة فدفنوه مع جثته، ثم قال:
أعيش زبيريَّ الحياة فإن أمت ... فإني موصٍ هامتي بالتزبّر ثم إن عبد الملك بن مروان ولّى الحجاج مكة واليمن واليمامة فنقض الحجاج