للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من عجيب الاتفاق. وأيضاً فإن العاضد في اللغة القاطع، يقال: عضدتُ الشيء فأنا عاضدٌ له، إذا قطعته، فكأنه عاضدٌ لدولتهم، وكذا كان لأنه قطعها.

وأخبرني أحد علماء المصريين (١) أيضاً أن العاضد المذكور في أواخر دولته رأى في منامه وهو بمدينة مصر وقد خرجت إليه عقرب من مسجد هو معروف بها، فلدغته فلما استيقظ ارتاع لذلك، فطلب بعض معبري الرؤية وقص عليهم المنام فقال له: ينالك مكروه من شخص مقيم في هذا المسجد، فطلب والي مصر وقال له: تكشف عمن هو مقيم في المسجد الفلاني، وكان العاضد يعرف ذلك المسجد، فإذا رأيت به أحداً تحضره عندي. فمضى الوالي إلى المسجد فرأى فيه رجلاً صوفياً فأخذه ودخل به على العاضد، فلما رآه سأله: من أين هو ومتى قدم البلاد وفي أي شيء قدم وهو يجاوبه عن كل سؤال، فلما ظهر له منه ضعف الحال والصدق والعجز عن إيصال المكروه إليه أعطاه شيئاً وقال له: يا شيخ ادع لنا، وأطلق سبيله، فنهض من عنده وعاد إلى مسجده (٢) . فلما استولى السلطان صلاح الدين وعزم على القبض على العاضد واستفتى الفقهاء في قتله، أفتوه بجواز ذلك لما كان عليه العاضد وأشياعه من انحلال العقيدة وفساد الاعتقاد وكثرة الوقوع في الصحابة والإستهتار بذلك. وكان أكثرهم مبالغة في الفتيا الصوفي المقيم في المسجد، وهو الشيخ نجم الدين الخبوشاني - الآتي ذكره في حرف الميم إن شاء الله تعالى - فإنه عدَّد مساوئ هؤلاء القوم وسلب عنهم الإيمان وأطال الكلام في ذلك، فصحَّت بذلك رؤيا العاضد.

وكانت ولادة العاضد يوم الثلاثاء لعشر بقين من المحرم سنة ست وأربعين (٣) وخمسمائة. وتوفي ليلة الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة سبع


(١) ص: علماء مصر.
(٢) ص: المسجد.
(٣) س: ست وخمسين.

<<  <  ج: ص:  >  >>