ثم إن النقباء عادوا إلى إبراهيم الإمام وسألوه رجلاً يقوم بأمر خراسان، فقال: إني قد جربت هذا الأصبهاني وعرفت ظاهره وباطنه فوجدته حجر الأرض، ثم دعا أبا مسلم وقلده الأمر وأرسله إلى خراسان وكان من أمره ما كان. وكان إبراهيم الإمام قد أرسل إلى أهل خراسان سليمان بن كثير الحراني يدعوهم إلى أهل البيت، فلما بعث أبا مسلم أمر من هناك بالسمع والطاعة له، وأمره أن لا يخالف سليمان بن كثير، فكان أبو مسلم يختلف ما بين إبراهيم وسليمان.
وقال المأمون، وقد ذكر أبو مسلم عنده: أجل ملوك الأرض ثلاثة، وهم اللذين قاموا بثقل الدول: الاسكندر وأردشير وأبو مسلم الخراساني.
وكان أبو مسلم يدعو الناس إلى رجل من بني هاشم وأقام على ذلك سنين وفعل في خراسان وتلك البلاد ما هو مشهور ولا حاجة إلى الإطالة بذكره.
وكان مروان بن محمد، آخر ملوك بني أمية، يحتال على الوقوف على حقيقة الأمر وأن أبا مسلم إلى من يدعو منهم، فلم يزل على ذلك حتى ظهر له أن الدعاء لإبراهيم الإمام (١) ، وكان مقيماً عند اخوته وأهله بالحميمة - الآتي ذكرها في ترجمة جده علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما - فأرسل إليه وقبض عليه وأحضره إلى حران فأوصى إبراهيم بالأمر من بعده لأخيه عبد الله السفاح. ولما وصل إبراهيم إلى حران حبسه مروان بها ثم غمه بجراب طرح فيه نورة وجعل فيه رأسه وسد عليه إلى أن مات، وذلك في صفر سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وقيل إنه قتله غير هذه القتلة لكن هذا هو الأكثر، وكان عمره إحدى وخمسين سنة، وكان دفنه هناك داخل حران.
ثم صار أبو مسلم يدعو الناس إلى أبي العباس عبد الله بن محمد الملقب السفاح. وكان بنو أمية يمنعون بني هاشم من نكاح الحارثية للخبر المروي في ذلك أن هذا الأمر يتم لابن الحارثيه، فلما قام عمر بن عبد العزيز بالأمر أتاه محمد بن علي
(١) قدم القول إنه سيذكر إبراهيم الإمام في ترجمة أبيه، وها هو يذكره هنا، والنص من المزيدات في حاشية المسودة.