للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما لاقتني بلاد بعدك حتى أتيتك، قال: فأمرني بالجلوس، فجلست وسكت عني، فلما تفرق الناس إلا أقلهم نهضت للقيام، فأشار إلي أن اجلس فجلست حتى خلا المجلس ولم يبق غيري ومن بين يديه من الغلمان، فقال: يا أبا سعيد، ما معنى قولك ما لاقتني بلاد بعدك (١) قلت: ما أمسكتني يا أمير المؤمنين، وأنشدت قول الشاعر:

كفاك كف ما تليق درهما ... جوداً، وأخرى تعط بالسيف دما أي: ما تمسك درهماً، فقال: أحسنت، وهكذا فكن، وقرنا في الملا، وعلمنا في الخلا، فإنه يقبح بالسلطان أن لا يكون عالماً، إما أن أسكت فيعلم الناس أني لا أفهم إذ لم أجب، وإما أن أجيب بغير الجواب فيعلم من حولي أني لم أفهم ما قلت، قال الأصمعي: فعلمني أكثر مما علمته.

وحكى المبرد أيضاً قال: مازح الرشيد أم جعفر فقال لها: كيف أصبحت يا أم نهر فاغتمت لذلك ولم تفهم معناه، فأنفذت إلى الأصمعي تسأله عن ذلك، فقال: الجعفر النهر الصغير، وإنما ذهب إلى هذا، فطابت نفسها (٢) .

وقال أبو بكر النحوي: لما قدم الحسن بن سهل العراق قال: أحب أن أجمع قوماً من أهل الأدب، فأحضر أبا عبيده والأصمعي ونصر بن علي الجهضمي، وحضرت معهم فابتدأ الحسن فنظر في رقاعٍ بين يديه للناس في حاجاتهم، فوقع عليها، فكانت خمسين رقعة ثم أمر فدفعت إلى الخازن، ثم أقبل علينا فقال: قد فعلنا خيراً، ونظرنا في بعض ما نرجو نفعه من أمور الناس والرعية، فنأخذ الآن في ما نحتاج إليه، فأفضنا في ذكر الحفاظ، فذكرنا الزهري وقتادة ومررنا، فالتفت أبو عبيدة فقال: ما الغرض أيها الأمير في ذكر من مضى وبالحضرة ها هنا من يقول ما قرأ كتاباً قط فاحتاج إلى أن يعود فيه ولا دخل قلبه شيء فخرج عنه فالتفت الأصمعي وقال: إنما يريدني بهذا القول أيها الأمير، والأمر في ذلك على ما حكى، وأنا أقرب


(١) بلاد بعدك: سقط من ر.
(٢) قد مر هذا في ترجمة زبيدة ج ٢ ص: ٣١٥ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>