أحسن منزلة، وجمع خواص الأولياء وأخبرهم أنه نظر في أولاد العباس وأولاد علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، فلم يجد في وقته أحداً أفضل ولا أحق بالأمر من علي الرضا فبايعه، وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام؛ ونمي الخبر إلى من بالعراق من أولاد العباس، فعلموا أن في ذلك خروج الأمر عنهم، فخلعوا المأمون وبايعوا إبراهيم بن المهدي - المقدم ذكره (١) - وهو عم المأمون، وذلك يوم الخميس لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين، وقيل سنة ثلاث ومائتين، والشرح في ذلك يطول والقصة مشهورة، وقد اختصرته في ترجمة إبراهيم بن المهدي.
وكانت ولادة علي الرضا يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة، وقيل بل ولد سابع شوال، وقيل ثامنه، وقيل سادسه، سنة إحدى وخمسين ومائة. وتوفي في آخر يوم من صفر سنة اثنتين ومائتين، بل توفي خامس ذي الحجة، وقيل ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث ومائتين، بمدينة طوس وصلى عليه المأمون ودفنه ملاصق قبر أبيه الرشيد، وكان سبب موته أنه أكل عنباً فأكثر منه، وقيل بل كان مسموماً فاعتل منه ومات، رحمه الله تعالى.
وفيه يقول أبو نواس:
قيل لي أنت أحسن الناس طراً ... في فنونٍ من الكلام النبيه
لك من جيد القريض مديحٌ ... يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى ... والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أستطيع مدح إمامٍ ... كان جبريل خادماً لأبيه وكان سبب قوله هذه الأبيات أن بعض أصحابه قال له: ما رأيت أوقح منك، ما تركت خمراً ولا طرداً ولا معنى إلا قلت فيه شيئاً، وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئاً، فقال: والله ما تركت ذلك إلا
(١) تقدمت ترجمة إبراهيم بن المهدي في الجزء الأول: ٣٩.