يزل مكيناً عندهم حظياً لديهم يجلس بين يدي أسرتهم ويفضون إليه بأسرارهم ويأمنونه على أخبارهم، ولم يزل عندهم في المنزلة العلية. وكان قبل اتصاله بالخلفاء يلوذ بمحمد بن إسحاق بن إبراهيم المصعبي، ثم اتصل بالفتح بن خاقان وعمل له خزانة كتب أكثرها حكمة، واستكتب له شيئاً عظيماً يزيد على ما كان في خزانته أضعافاً مضاعفة مما لم تشتمل عليه خزانته، وكان راوية للأشعار والأخبار حاذقاً في صنعة الغناء، أخذ عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي، وشاهده، وصنف عدة كتب منها كتاب " الشعراء القدماء والإسلاميين " وكتاب " أخبار إسحاق بن إبراهيم الموصلي " وكتاب في الطبيخ، وغير ذلك. وكان شاعراً محسناً، فمن شعره قوله في الطيف:
بأبي والله من طرقا ... كابتسام البرق إذ خفقا
زادني شوقاً برؤيته ... وحشا قلبي به حرقا
من لقلب هائم كلفٍ ... كلما سكنته خفقا
زارني طيف الحبيب فما ... زاد أن أغرى بي الأرقا وله أشعار حسان، وعاش إلى أن خدم المعتمد على الله وتوفي في أواخر أيامه، وذلك في سنة خمس وسبعين ومائتين بسر من رأى، رحمه الله تعالى، وخلف جماعة من الأولاد، وكلهم نجباء علماء ندماء - وسيأتي ذكر بعضهم في مواضعهم من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.