وقيل إن هذا من كلام الحسن بن وهب، والأول أصح وأشهر. وقال عمرو بن مسعدة المذكور: كنت أوقع بين يدي جعفر بن يحيى البرمكي فرفع إليه غلمانه ورقة يستزيدونه في رواتبهم، فرمى بها إلي، وقال: أجب عنها، فكتبت " قليل دائم خير من كثير منقطع " فضرب بيده على ظهره، وقال: أي وزير في جلدك
وله كل معنى بديع. وتوفي في سنة سبع عشرة ومائتين بموضع يقال له أذنة، وذكر الجهشياري في كتاب " الوزراء " أنه توفي في شهر ربيع الأخر سنة خمسة عشرة ومائتين، والله أعلم. ولما مات رفعت إلى المأمون رقعة أنه خلف ثمانين ألف ألف درهم، فوقع في ظهرها " هذا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا، فبارك الله لولده فيما خلف، وأحسن لهم النظر فيما ترك ".
وذكر المسعودي في كتاب " مروج الذهب "(١) أنه لما مات عرض لماله ولم يعرض لمال وزير غيره، رحمه الله تعالى.
ومسعدة: بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح العين والدال المهملتين.
وأذنة: بفتح الهمزة والذال المعجمة والنون، وهي بليدة بساحل الشام عند طرسوس، بني حصنها سنة أربع وأربعين ومائة.
وبعد انتهائي إلى هذا الموضع ظفرت له برسالة بديعة كتبها إلى بعض الرؤساء وقد تزوجت أمه فساءه ذلك، فلما قرأها ذلك الرئيس تسلى بها وذهب عنه ما كان يجده، فآثرت الإتيان بها لحسنها، وهي " الحمد لله الذي كشف عنا ستر الحيرة، وهدانا لستر العورة، وجدع بما شرع من الحلال أنف الغيرة، ومنع من عضل الأمهات، كما منع من وأد البنات، استنزالاً للنفوس الأبية، عن الحمية حمية الجاهلية ثم عرض لجزيل الأجر من استسلم لواقع قضائه، وعوض جليل الذخر من صبر على نازل بلائه، وهناك الذي شرح للتقوى صدرك، ووسع في البلوى صبرك، وألهمك من التسليم لمشيئته، والرضا بقضيته، ما وفقك له من قضاء الواجب في أحد أبويك، ومن عظم حقه عليك، وجعل تعالى جده ما تجرعته من أنف، وكظمته من أسف، معدوداً فيما يعظم به أجرك،