للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمعت بين المذهبين فلم يكن ... للحسن عن ذهبيهما من مذهب

وإذا أتت عين لتسرق نظرة ... قال الشعاع لها اذهبي لا تذهب وما ألطف قوله اذهبي لا تذهب. وقد أذكرتني هذه الأبيات في الخمار المذهب حكاية وقفت عليها منذ زمان بالموصل، وهي أن بعض التجار قدم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه حمل من الخمر السود، فلم يجد لها طالبا، فكسدت عليه وضاق صدره، فقيل له: ما ينفقها لك إلا مسكين الدارمي، وهو من مجيدي الشعراء الموصوفين بالظرف والخلاعة، فقصده فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد، فأتاه وقص عليه القصة، فقال: وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذه الحال فقال له التاجر: أنا رجل غريب، وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل، وتضرع إليه، فخرج من المسجد وأعاد لباسه الأول وعمل هذين البيتين وشهرهما وهما:

قل للمليحة في الخمار الأسود ... ماذا أردت بناسكٍ متعبد

قد كان شمر للصلاة ثيابه ... حتى قعدت له بباب المسجد (١) فشاع بين الناس أن مسكينا الدارمي قد رجع إلى ما كان عليه، وأحب واحدة ذات خمار أسود، فلم يبق بالمدينة ظريفة إلا وطلبت خمارا أسود، فباع التاجر الحمل الذي كان معه بأضعاف ثمنه، لكثرة رغباتهم فيه، فلما فرغ منه عاد مسكين إلى تعبده وانقطاعه.

وكتب القاضي أبو علي التنوخي المذكور إلى بعض الرؤساء في شهر رمضان:

نلت في ذا الصيام ما تشتهيه ... وكفاك الإله ما تتقيه

أنت في الناس مثل شهرك في الأش ... هر، بل مثل ليلة القدر فيه


(١) زاد في ن بيتاً ثالثاً وهو:
ردي عليه ثيابه ووقاره ... لا تقتليه بحق آل محمد ولذلك قال قبل الأبيات: وعمل هذه الأبيات الثلاثة وأشهرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>