للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

له أرصد منها السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى الثلث لمصالح بيت المقدس وأقطع ولده عماد الدين المذكور باقيها. وجده أبو الهيجاء كان صاحب العمادية وعدة قلاع من بلاد الهكارية.

ولم يزل قائم الجاه والحرمة إلى أن صدر منه في سنة دمياط ما قد شهر، وقد شرحت ذلك في ترجمة الملك الكامل، فانفصل عن الديار المصرية، وآلت حاله إلى أن حوصر في شهر بيع الآخر بتل يعفور (١) القلعة التي بين الموصل وسنجار، والقصة مشهورة، فراسله الأمير بدر الدين لؤلؤ أتابك صاحب الموصل ولم يزل يخدعه ويطمنه إلى أن أدعن للانقياد، وحلف له على ذلك، فانتقل إلى الموصل، وأقام (٢) بها قليلاً، ثم قبض عليه، وذلك في سنة سبع عشرة وستمائة وأرسله إلى الملك الأشرف مظفر الدين ابن الملك العادل. وإنما قبض عليه تقريباً إلى قلبه، فإن خروجه في هذه الدفعة كان عليه، فاعتقله الملك الأشرف في قلعة حران، وضيق عليه تضييقا شديدا، من الحديد الثقيل في رجليه والخشب في يديه، وحصل في رأسه ولحيته وثيابه من القمل شيء كثير على ماقيل، وكنت أسمع بذلك في وقته وأنا صغير، وبلغني أن بعض من كان متعلقاً بخدمته كتب في ذلك الوقت إلى الملك الأشرف دوبيت في معناه وهو:

يا من بدوام سعده دار فلك ... ما أنت من الملوك بل أنت ملك

مملوكك ابن المشطوب في السجن هلك ... أطلقه فإن الأمر لله ولك ومكث على تلك الحال إلى أن توفي (٣) في الاعتقال في شهر ربيع الآخر سنة تسع عشرة وستمائة، وبنت له ابنته قبة على باب مدينة رأس عين، ونقلته من حران إليها ودفنته بها، رحمه الله تعالى؛ ورأيت قبره هناك.

ولما كان في السجن كتب إليه بعض الأدباء دوبيت، وهو:


(١) هـ: يعقوب؛ وهو تل أعفر أو يعفر (ياقوت) .
(٢) هـ: فأقام.
(٣) هـ: هلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>