للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صحيحا؛ قال أبو علي: وعاش بعد ذلك عامين، وكنت أسأله عن شكوكي في اللغة وهو بهذه الحال فيرد بأسرع من النفس بالصواب. وقال لي مرة وقد سألته عن بيت شعر: لئن طفئت شحمتا عيني لم تجد من يشفيك من العلم، قال أبو علي: ثم قال لي: يابني، وكذلك قال لي أبو حاتم وقد سألته عن شيء، ثم قال لي أبو حاتم: وكذلك قال لي الأصمعي وقد سألته. وقال أبو علي: وآخر شيء سألته عنه جاوبني أن قال لي: يابني حال الجريض دون القريض، فكان هذا الكلام آخر ماسمعته منه وكان قبل ذلك كثيرا ما يتمثل:

فواحزني أن لا حياة لذيذة ... ولا عمل يرضى به الله صالح وقال المرزباني (١) ، قال لي ابن دريد: سقطت من منزلي بفارس، فانكسرت ترقوتي، فسهرت ليلتي، فلما كان آخر الليل غمضت (٢) عيني فرأيت رجلا طويلا أصفر الوجه كوسجا (٣) دخل علي وأخذ بعضادتي الباب وقال: أنشدني أحسن ما قلت في الخمر، فقلت: ما ترك أبو نواس لأحد شيئا، فقال: أنا أشعر منه، فقلت: ومن أنت فقال: أنا أبو ناجية من أهل الشام، وأنشدني (٤) :

وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبي نرجس وشقائق

حكت وجنة المعشوق صرفا فسلطوا ... عليها مزاجا فاكتست لون عاشق فقلت له: أسأت، فقال: ولم قلت: لأنك قلت وحمراء فقدمت الحمراء ثم قلت بين ثوبي نرجس وشقائق فقدمت الصفرة، فهلا قدمتها على الأخرى، فقال: ما هذا الاستقصاء في هذا الوقت يابغيض

وجاء في رواية أخرى أن الشيخ أبا علي الفارسي النحوي قال: أنشدني ابن دريد هذين البيتين لنفسه، وقال: جاءني إبليس في المنام وقال: أغرت على أبي


(١) انظر نور القبس: ٣٤٣.
(٢) المرزباني والقفطي: حملتني؛ بر: أغمضت.
(٣) الكوسج: الذي ليس على عارضيه شعر.
(٤) ديوانه: ٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>