الأولى سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة؛ وقيل إنه عاش إلى قريب الخمسين وأربعمائة ودفن بقصر إشبيلية، واختلفوا أيضاً في مبدإ استلائه: فقيل سنة أربع عشرة وأربعمائة، وهو الذي ذكره العماد الكاتب في " الخريدة "، وقيل أربع وعشرين، والله أعلم بالصواب في ذلك كله.
(٢٠٥) ولما مات محمد القاضي قام مقامه ولده المعتضد بالله أبو عمرو عباد، قال أبو الحسن علي بن بسام صاحب كتاب " الذخيرة " في حقه: ثم أفضى الأمر إلى عباد سنة ثلاث وثلاثين، وتسمى أولاً بفخر الدولة ثم بالمعتضد، قطب رحى الفتنة، ومنتهى غاية المحنة، من رجل لم يثبت له قائم ولا حصيد، ولا سلم منه قريب ولا بعيد، جبار أبرم الأمر وهو متناقض، وأسد فرس الطلا وهو رابض، متهور تتحاماه الدهاة، وجبان لا تأمنه الكماة، متعسف اهتدى، ومنبت قطع ما أبقى، ثار والناس حرب وضبط شأنه بين قائم وقاعد، حتى طالت يده واتسع بلده وكثر عديده وعدده، وكان قد أوتي أيضاً من جمال الصورة وتمام الخلقة وفخامة الهيئة وسباطة البنان وثقوب الذهن وحضور الخاطر وصدق الحس، ما فاق على نظرائه، ونظر مع ذلك في الأدب قبل ميل الهوى به إلى طلب السلطان أدنى نظر بأزكى طبع حصل منه لثقوب ذهنه على قطعة وافرة علقها من غير تعمد لها ولا إمعان في غمارها ولا إكثار من مطالعتها ولا منافسة في اقتناء صحائفها، أعطته سجية على ذلك ما شاء من تحبير الكلام وقرض قطع من الشعر ذات طلاوة في معان أمدته فيها الطبيعة، وبلغ فيها الإرادة، واكتتبها الأدباء للبراعة، جمع هذه الخلال الظاهرة إلى جود كف باري السحاب بها. وأخبار المعتضد في جميع أفعاله وضروب أنحائه غريبة بديعة. وكان ذا كلف بالنساء فاستوسع في اتخاذهن وخلط في جنوسهن، فانتهى في ذلك إلى مدى لم يبلغه أحد من نظرائه، ففشا نسله لتوسعه في النكاح وقوته عليه، فذكر أنه كان له من الولد نحو العشرين ذكوراً، ومن الإناث مثلهم. وأورد له عدة مقاطيع، فمن ذلك قوله:
شربنا وجفن الليل يغسل كحله ... بماء صباحٍ والنسيم رقيق