للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلك حرف رويها.

وكان المعتصم المذكور قد اختص بمؤانسة الأمير يوسف بن تاشفين عند عبوره إلى جزيرة الأندلس حسبما شرحناه في ترجمة المعتمد بن عباد المذكور قبله وأقبل عليه أكثر من بقية ملوك الطوائف، فلما تغيرت نية الأمير يوسف على المعتمد وجاهره المعتمد بالعصيان شاركه في ذلك المعتصم، ووافقه على الخروج عن طاعته وعدم الإنقياد لأمره، فلما قصد الأمير يوسف بلاد الأندلس عزم على خلعهما وقبضهما.

قال ابن بسام في " الذخيرة " (١) : وكان بين المعتصم وبين الله سريرة، أسلفت له عند الحمام يداً مشكورة، فمات وليس بينه وبين حلول الفاقرة به إلا أيام يسيرة، في سلطانه وبلده، وبين أهله وولده. حدثني من لا أرد خبره عن أروى بعض مسان حظايا أبيه قالت: إني لعنده وهو يرضى بشأنه، وقد غلب على أكثر يده ولسانه، ومعسكر أمير المسلمين (٢) - تعني يوسف بن تاشفين - يومئذ بحيث نعد خيماتهم ونسمع اختلاط أصواتهم إذ سمع وجبة من وجباتهم، فقال: لا إله إلا الله، نعض علينا كل شيء حتى الموت! قالت أروى: فدمعت عيني، فلا أنسى طرفاً إلي يرفعه، وإنشاده لي بصوت لا أكاد أسمعه:

ترفق بدمعك لا تفنه ... فبين يديك بكاء طويل وقال محمد بن أيوب الأنصاري في كتابه الذي صنفه للسلطان الملك الناصر صلاح الدين رحمه الله تعالى في سنة ثمان وستين وخمسمائة في ترجمة المعتصم بن صمادح المذكور، بعد أن ذكر طرفاً من أخباره، وشيئاً من أشعاره، وحكى صورة حصاره، وقوله في مرضه نغض غلينا كل شيء حتى الموت: ومات - يعني المعتصم - في أثر ذلك عند طلوع الشمس يوم الخميس لثمان بقين من شهر ربيع الأول سنة أربع وثمانين وأربعمائة بالمرية، رحمه الله تعالى، ودفن في تربة له عند باب الخوخة.


(١) الذخيرة ١/٢: ٢٤٠.
(٢) ق ر بر: المؤمنين؛ وهو غير دقيق، لأن يوسف لم يتخذ لقب خليفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>