للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آثاره تنبيك عن أخباره ... حتى كأنك بالعيان تراه قدم في الثرى وهمة في الثريا، ونفس ترى إراقة ماء الحياء دون إراقة ماء المحيا، أغفل المرابطون حله وربطه، حتى دب دبيب الفلق في الغسق، وترك الدنيا دوياً، انشأ دولة لو شاهدها أبو مسلم، لما كان لعزمه فيها بمسلم، وكان قوته من غزل أخت له رغيفاً في كل يوم بقليل سمن أو زيت، ولم ينتقل عن هذا حين كثرت عليه الدنيا، ورأى أصحابه يوماً وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه، فأمر بضم ذلك جميعه وأحرقه وقال: من كان يتبعني للدنيا فما له عندي إلا ما رأى، ومن تبعني للآخرة فجزاؤه عند الله تعالى. وكان على خمول زيه وبسط وجهه مهيباً منيع الحجاب، إلا عند مظلمة، وله رجل مختص بخدمته والإذن عليه، وكان شعر فمن ذلك قوله:

أخذت بأعضادهم إذ نأوا ... وخلفك القوم إذ وعوا

فكم أنت تنهى ولا تنتهي ... وتسمع وعظاً ولا تسمع

فيا حجر الشحذ حتى متى ... تسن الحديد ولا تقطع وكان كثيراً ما ينشد:

تجرد من الدنيا فإنك إنما ... خرجي إلى الدنيا وأنت مجرد وكان أيضاً يتمثل بقول المتنبي:

إذا غامرت في شرف مروم ... فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم وبقوله أيضاً:

ومن عرف الأيام معرفتي بها ... وبالناس، روى رمحه غير راحم

فليس بمرحوم إذا ظفروا به ... ولا في الردى الجاري عليهم بآثم وبقوله أيضاً:

<<  <  ج: ص:  >  >>