للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وراء النهر في موضع بينه وبين بخارى مسافة عشرين فرسخاً، وهم اتراك (١) ، وكانوا عدداً يجل عن الحصر والإحصاء، وكانوا لا يدخلون تحت طاعة سلطان، وإذا قصدهم جمع لا طاقة لهم به دخلوا المفاوز وتحصنوا بالرمال فلا يصل إليهم أحد، فلما عبر السلطان محمود بن سبكتكين إلى ما وراء النهر - وكان سلطان خراسان وغزنة وتلك النواحي وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى - وجد (٢) زعيم بني سلجوق قوي الشوكة كثير العدة، يتصرف في أمره على المخاتلة والمراوغة وينتقل من أرض إلى غيرها ويغير في أثناء ذلك على تلك البلاد، فاستماله وجذبه، ولم يزل يخدعه حتى أقدمه إليه، فأمسكه وحمله إلى بعض القلاع واعتقله (٣) ، وخرج في إعمال الحيلة في تدبير أمر أصحابه، واستشار أعيان دولته في شأنهم، فمنهم من أشار بإغراقهم في نهر جيحون؛ وأشار آخرون بقطع إبهام كل رجل منهم ليعتذر عليهم الرمي والعمل بالسلاح، واختلفت الآراء في ذلك، وآخر ما وقع الاتفاق عليه أن يعبر بهم جيحون إلى أرض خراسان ويفرقهم في النواحي، ويضع عليهم الخراج، ففعل ذلك، فدخلوا في الطاعة واستقاموا، وأقاموا على تلك الحالة مدة، فطمع فيهم العمال وظلموهم وامتدت إليهم أيدي الناس وتهضموا جانبهم وأخذوا من أموالهم ومواشيهم، فانفصل منهم ألفا بيت، ومضوا إلى بلاد كرمان، وملكها يومئذ الأمير أبو الفوارس ابن بهاء الدولة عضد الدولة بن بويه، فأقبل عليهم وخلع على وجوههم، وعزم على استخدامهم فلم يستتموا عشرة أيام حتى مات أبو الفوارس، وخافوا من الديلم، وهم أهل ذلك الإقليم، فبادروا إلى قصد أصبهان ونزلوا بظاهرها، وصاحبها علاء الدولة أبو جعفر بن كاكويه، فرغب في استخدامهم، فكتب إليه السلطان محمود يأمره بالإيقاع بهم ونهبهم، فتواقعوا


(١) وهم اتراك: سقطت من أكثر النسخ.
(٢) اختلف النص هنا في مج، إذ جاء فيه: ((فمر على أحياء هذه القبيلة وخركاواتها فاستكثر حاشيتها واستعظم ماشيتها وتخوف معرتها وخشي مضرتها، فاستدعي مقدمها واستماله ولم يزل يخدعه حتى أقدمه عليه وأمسكه وحمله.
(٣) واعتقله: سقطت من ق ر ن بر من.

<<  <  ج: ص:  >  >>