للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما قبض عليه ومات في التنور - كما سيأتي ذكره - لم يجد من جميع أملاكه وضياعه وذخائره إلا ما كانت قيمته مائة ألف دينار، فندم على ذلك ولم يجد عنه عوضاً، وقال للقاضي أحمد: أطعمتني في باطل وحملتني على شخص لم أجد عنه عوضاً.

وكان ابن الزيات المذكور قد اتخذ تنوراً من حديد وأطراف مساميره المحددة إلى داخل، وهي قائمة مثل رؤوس المسال، في أيام وزارته، وكان يعذب فيه المصادرين وأرباب الدواوين المطلوبين بالأموال، فكيفما انقلب واحد منهم أو تحرك من حرارة العقوبة (١) تدخل المسامير في جسمه، فيجدون لذلك أشد الألم لم يسبقه أحد إلى هذه المعاقبة، وكان إذا قال أحد منهم أيها الوزير ارحمني، فيقول له: الرحمة خور في الطبيعة، فلما اعتقله المتوكل أمر بإدخاله في التنور، قيده بخمسة عشر رطلاً من الحديد فقال: يا أمير المؤمنين ارحمني، فقال له: لرحمة خور في الطبيعة، كما كان يقول (٢) للناس، فطلب دواة وبطاقة فأحضرتا إليه فكتب (٣) :

هي السبيل فمن يوم إلى يوم ... كأنه ما تريك العين في النوم

لا تجزعن، رويداً إنها دول ... دنيا تنقل من قوم إلى قوم وسيرها إلى المتوكل، فاشتعل عنها ولم يقف عليها إلا في الغد، فلما قرأها المتوكل أمر بإخراجه، فجاؤوا إليه فوجدوه ميتاً، وذلك في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وكانت مدة إقامته في التنور أربعين يوماً، وكان القبض عليه لثمان مضين من صفر من السنة المذكورة.

ولما مات وجد في التنور مكتوب بخطه قد خطه بالفحم على جانب لتنور يقول:

من له عهد بنوم ... يرشد الصب إليهِ


(١) ق: حرارة النار والعقوبة.
(٢) ر: كنت تقول.
(٣) ديوانه: ٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>