وكان الواثق لما ولي أمر أن يقوم جميع الناس لابن الزيات، ولم يجعل في ذلك رخصة لأحد، فكان ابن أبي داود يستعجل صلاة الضحى إذا أحس بقدومه أنفة من القيام له في دار السلطان، وامتثالاُ للأمر، فصنع ابن الزيات:
صلى الضحى لما استقاد عداوتي ... وأراه ينسك بعدها ويصوم
لا تأمنن عداوة مسمومة ... تركتك تقعد تارة وتقوم وقد سبق شيء من خبره معه في ترجمته.
ومن شعر محمد المذكور في جارته أم ابنه عمر، وقد ماتت:
يقول لي الخلان لو زرت قبرها ... فقلت وهل غير الفؤاد لها قبر
على حين لم أحدث فاجهل فقدها ... ولم أبلغ السن التي معها الصبر وشعره كله نخب، ونقتصر منه على هذا القدر ففيه كفاية.
وكان أبوه زياتاً إلا انه كان كثير المال؛ وكان محمد المذكور شديد القسوة صعب العريكة لا يرق لأحد ولا يرحمه، وكان يقول: الرحمة خور في الطبيعة، ووقع يوماً على رقعة رجل توسل إليه بقرب الجوار منه: الجوار للحيطان، والتعطف للنسوان.
فلما أراد المتوكل قتله أحضره وأحضر تنور خشب فيه مسامير من حديد أطرافها إلى داخل التنور تمنع من يكون فيه من الحركة، كان محمد اتخذه ليعذب فيه من يطالبه - وهو أول من عمل ذلك وعذب فيه ابن أسباط المصري - وقال: أجرينا فيك حكمك في الناس، فاجلس فيه، فمات بعد ثلاث وذلك في سنة ثلاثة وثلاثين ومائتين؛ وقيل إنه كتب في التنور بفحمه:
من له عهد بنوم ... يرشد الصب إليه
رحم الله رحيماً ... دل عيني عليه ودفن لم يعمق قبره فنبشته الكلاب وأكلته، رحمه الله تعالى.