المنابر، فقوي أمره وعظم شأنه وتصرف على حسب اختياره؛ واحتاط على أملاك ابن مقلة المذكور وضياعه وأملاك ولده أبي الحسين، فحضر إليه ابن مقلة وإلى كاتبه وتذلل لهما في معنى الإفراج عن أملاكه، فلم يحصل منهما إلا على المواعيد، فلما رأى ابن مقلة ذلك أخذ في السعي بابن رائق المذكور من كل جهة، وكتب إلى الراضي يشير عليه بإمساكه والقبض عليه، وضمن له أنه متى فعل ذلك وقلده الوزارة استخرج له ثلثمائة ألف ألف دينار، وكانت مكاتبته على يد علي بن هارون المنجم النديم - المقدم ذكره (١) - فأطمعه الراضي بالإجابة إلى ما سأل، وترددت الرسائل بينهما في ذلك، فلما استوثق ابن مقلة من الراضي اتفقا على أن ينحدر إليه سراً ويقيم عنده إلى أن يتم التدبير، فركب من داره وقد بقي من شهر رمضان ليلة واحدة، واختار هذا الطالع لأن القمر يكون تحت الشعاع، وهو يصلح للأمور المستورة، فلما وصل إلى دار الخليفة لم يمكنه من الوصول إليه، واعتقله في حجره، ووجه الراضي من غد إلى ابن رائق، وأخبره بما جرى، وانه احتال على ابن مقلة حتى حصله في أسره وترددت بينهما المكاتبات في ذلك.
فلما كان رابع عشر شوال سنة ست وعشرين وثلثمائة، اظهر الراضي أمر ابن مقلة وأخرجه من الاعقتال، وحضر حاجب ابن رائق وجماعة من القواد وتقابلا، وكان ابن رائق قد التمس قطع يده اليمنى التي كتب بها تلك المطالعة، فلما انتهى كلامهما في المقابلة قطعت يده اليمنى ورد إلى محبسه، ثم ندم الراضي على ذلك وأمر الأطباء بملازمته للمداواة، فلازموه حتى برئ، وكان ذلك نتيجة دعاء أبي الحسن محمد بن شنبوذ المقرئ عليه بقطع اليد - وقد تقدم ذكر سبب ذلك في ترجمته - وذلك من عجيب الاتفاق.
وقال أبو الحسن ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الطبيب، وكان يدخل عليه لمعالجته: كنت إذا دخلت عليه في تلك الحال يسألني عن أحوال ولده أبي الحسين، فأعرفه استتاره وسلامته، فتطيب نفسه، ثم ينوح على يده ويبكي ويقول: خدمت بها الخلفاء وكتبت بها القرآن الكريم دفعتين، تقطع كما تقطع