يا دهر لي عبد الرحي ... م فلست أخشى مس نابك وقد اتفق له الجناس في الأبيات الثلاثة، وهو في غاية الحسن.
وكان القاضي الفاضل قد حج من مصر في سنة أربع وسبعين وخمسمائة وركب البحر في طريقه، فكتب إليه العماد: طوبى للحجر والحجون من ذي الحجر والحجا، منيل الجدا ومنير الدحى، ولندي الكعبة من كعبة الندى، وللهدايا المشعرات من مشعر الهدى، وللمقام الكريم من مقام الكريم، ومن حاط فقار القفر للحطيم، ومتى رؤي هرم في الحرم، وحاتم ماتح زمزم ومتى ركب البحر البحر، وسلك البر البر لقد عادي قس إلى عكاظه، ولقبلة يستقبلها قبلة القبول والإقبال، والسلام.
لقد أبدع في هذه الرسالة وما أودعها من الصناعة، لكن الظاهر أنه غلط في قوله قيس لحفاظه، فإن المشهور أنس الحافظ، وهم أربعة أخوة لكل واحد منهم لقب، ولولا خوف الإطالة والانتقال عما نحن بصدده لذكرت قصتهم (١) .
ولما توفي الوزير عون الدين بن هبيرة اعتقل الديوان العزيز جماعة من أصحابه وكان العماد في جملة من اعتقل، لأنه كان ينوب عنه في واسط تلك المدة، فكتب من الحبس إلى عماد الدين بن عضد الدين بن رئيس الرؤساء، وكان حينئذ أستاذ الدار المستنجدية، وذلك في شعبان سنة ستين وخمسمائة من قصيدة:
أوليس إذ حبس الغمام وليه ... خلى أبوك سبيله بدعائه فأمر بإطلاقه، وهذا معنى مليح غريب، وفيه إشارة إلى قضية العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن الغيث قد انقطع في زمن خلافته وأمحلت الأرض، فخرج للاستسقاء ومعه
(١) هم المعروفون بالكلمة من بني عبس أبناء فاطمة بنت الخرشب الأنمارية: الربيع الكامل وقيس الحفاظ وعمارة الوهاب وأنس الفوارس؛ وأخطأ المؤلف في تعليقه.