العراقيين وهو بواسط فامتدحه، فأمر له بثلاثين ألف درهم وخلع عليه حلي وشيء لا قيمة لهما (١) ، فبلغ ذلك الكميت، فعزم على قصده، فقال له معاذ الهرا: لا تفعل فلست كالطرماح، فإنه ابن عمه، وبينكما بون: أنت مضري وخالد يمني متعصب على مضر، وأنت شيعي وهو أموي، وأنت عراقي وهو شامي، فلم يقبل إشارته، وأبي إلا قصد خالد، فقصده، فقالت اليمانية لخالد: قد جاء الكميت وقد هجانا بقصيدة نونية فخر فيها علينا، فحبسه خالد وقال: في حبسه صلاح لأنه يهجو الناس ويتأكلهم، فبلغ ذلك معاذاً فغمه فقال:
نصحتك والنصيحة إن تعدت ... هوى المنصوح عز لها القبول
فخالفت الذي لك فيه رشد ... فغالت دون ما أملت غول
فعاد خلاف ما تهوى خلافاً ... له عرض من البلوى طويل فبلغ الكميت قوله، فكتب إليه:
أراك كمهدي الماء للبحر حاملاً ... إلى الرمل من يبرين متجراً رملا ثم كتب تحته: قد جرى علي القضاء فما الحيلة الآن فأشار عليه أن يحتال في الهرب، وقال له: إن خالداً قاتلك لا محالة، فاحتال بامرأته، وكانت تأتيه بالطعام وترجع، فلبس ثيابها وخرج كأنه هي، فلحق بمسلمة بن عبد الملك فاستجار به وقال:
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل ... إليك على تلك الهزاهز والأزل
علي ثياب الغانيات وتحتها ... عزيمة رأى أشبهت سلة النصل فكان ذلك سبب نجاته من خالد.
وسأل شخص معاذاً عن مولده فقال: ولدت في أيام يزيد بن عبد الملك أو في أيام عبد الملك؛ وكان يزيد بن عبد الملك قد تولى بعد موت عمر بن عبد العزيز في شهر رجب سنة إحدى ومائة، وتوفي في شعبان سنة خمس ومائة،