عنه يإفريقية أظهر المذاهب، فحمل المعز المذكور جميع أهل المغرب على التمسك بمذهب الإمام مالك بن أنس، رضي الله عنه، وحسم مادة الخلاف في الذاهب واستمر الحال في ذلك إلى الآن.
وقد تقدم في خبر المستنصر بالله العبيدي أن المعز المذكور قطع خطبته وخلع طاعته، فلما فعل ذلك خطب للإمام القائم بأمر الله خليفة بغداد، فكتب إليه المستنصر يتهدده ويقول له: هلا اقتفيت آثار آبائك في الطاعة والولاء، في كلام طويل، فأجابه المعز: إن آبائي وأجدادي كانوا ملوك الغرب قبل أن تملكه أسلافك، ولهم عليهم من الخدم أعظم من التقديم، ولو أخروهم لتقدموا بأسيافهم؛ واستمر على قطع الخطبة، ولم يخطب بعد ذلك بإفريقية لأحد من المصرينن إلى اليوم.
وأخبار المعز كثيرة وسيرته مشهورة، فلا حاجة إلى الإطالة، وله شعر قليل لم أقف منه على شيء.
وكان المعز يوماً جالساً في مجلسه وعنده جماعة من الادباء، وبين يديه أترجة ذات أصابع، فأمرهم المعز أن يعملوا فيها شيئاً، فعمل أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني الشاعر المقدم ذكره (١) :
أترجة سبطة الأطراف ناعمة ... تلقى العيون بحسن غير منحوس
كأنما بسطت كفا لخالقها ... تدعو بطول بقاء لابن باديس فاستحسن ذلك منه وفضله على من حضر من الجماعة الأدباء.
وكانت ولادته بالمنصورية، ويقال لها صبرة، من أعمال إفريقية، يوم الخميس لخمس مضين من جمادى الأولى سنة ثمان وتسعين وثلثمائة، وملك بعد أبيه باديس في التاريخ المذكور في ترجمته، وبويع بالمحمدية من أعمال إفريقية أيضاً يوم السبت لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ست وأربعمائة. وتوفي رابع شعبان سنة أربع وخمسين وأربعمائة بالقيروان، من أصابه وهو ضعيف الكبد، ولم تطل مدة أحد من أهل بيته في الولاية كمدته، ورثاه أبو علي الحسن بن