للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وثياباً وقال: انصرف يا ابن أخي في حفظ الله إلى بنات عمك، فلئن فتشن الحقائب ليجدن فيها ما يسرهن، فقال له: صدقت، وبيت الله (١) . وقد سبق في ترجمة مروان بن أبي حفصة الشاعر طرف من أخباره، وكان مروان خصيصاً به وأكثر مدائحه فيه.

وكان معن في أيام بني أمية متنقلاً في الولايات، منقطعاً إلى يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين، فلما انتقلت الدولة إلى بني العباس وجرى بين أبي جعفر المنصور وبين يزيد بن عمر المذكور من محاصرته بمدينة واسط ما هو مشهور - وسيأتي في ترجمة يزيد المذكور طرف من هذه الواقعة إن شاء الله تعالى - أبلى يؤمئذ معن مع يزيد بلاء حسناً، فلما قتل يزيد خاف معن بن المنصور (٢) فاستتر عنه مدة، وجرى له مدة استتاره غرائب.

فمن ذلك ما حكاه مروان بن أبي حفصة الشاعر المذكور قال: أخبرني معن بن زائدة، وهو يومئذ متولي بلاد اليمن، أن المنصور جد في طلبي وجعل لمن يحملني إليه مالاً، قال: فاضطررت لشدة الطلب إلى أن تعرضت للشمس حتى لوحت وجهي، وخففت عارضي ولبست جبة صوف، وركبت جملاً وخرجت متوجهاً إلى البادية لأقيم بها، قال: فلما خرجت من باب حرب، وهو أحد أبواب بغداد، تبعني أسود متقلد بسيف، حتى إذا غبت عن الحرس قبض على خطام الجمل فأناخه، وقبض على يدي، فقلت له: ما بك فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين فقلت: ومن أنا حتى أطلب (٣) فقال: أنت معن ابن زائدة، فقلت له: يا هذه اتق الله عز وجل، وأين أنا من معن فقال: دع هذا، فوالله إني لأعرف بك منك، فلما رأيت منه الجد قلت له: هذا جوهر قد حملته بأضعاف ما جعله المنصور لمن يجيئه بي، فخذه ولا تكن سبباً في سفك دمي، قال: هاته، فأخرجته إليه، فنظر فيه ساعة وقال: صدقت في قيمته، ولست قابله حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني أطلقتك،


(١) زيادة من لي بر من، أوردها أيضاً وستنفيلد.
(٢) لي بر من: أبي جعفر المنصور.
(٣) ر: ومن أنا حتى أكون طلبة أمير المؤمنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>