وقال الشيخ أبو إسحاق في " الطبقات ": إنه مات قبل العشرين والثلثمائة، رحمه الله تعالى.
وذكره القاضي أبو عبد الله القضاعي في كتاب " خطط مصر " فقال: أصله من رأس عين وسكن الرملة، وقدم إلى مصر وسكنها، وتوفي سنة ست وثلثمائة، وكان فقيهاً جليل القدر، متصرفاً في كل علم، شاعراً مجيداً، لم يكن في زمانه مثله بمصر.
وكان من أكرم الناس على أبي عبيدة القاضي، حتى كان منهما ما كان بسبب المسألة، وكان لأبي عبيدة في كل عشية مجلس يذاكر فيه رجلاً من أهل العلم ويخلو به، خلا عشية الجمعة فإنه كان يخلو بنفسه فيها، فكان من العشايا عشية يخلو فيها بمنصور، وعشية يخلو فيها بأبي جعفر الطحاوي، وعشية يخلو فيها بمحمد بن الربيع الجيزي، وعشية يخلو فيها بعفان بن سليمان، وعشية يخلو فيها بالسجستاني، وعشية يخلو فيها للنظر مع الفقهاء، وربما حدث، فجرى بينه وبين منصور في بعض العشايا ذكر الحامل المطلقة ثلاثاً، ووجوب نفقتها، فقال أبو عبيد: زعم قوم أن لا نفقة لها في الثلاث، وأن نفقتها في الطلاق غير الثلاث، فأنكر ذلك منصور، وقال: قائل هذا ليس من أهل القبلة. ثم انصرف منصور فحدث بذلك أبا جعفر الحطاوي، فحكاه أبو جعفر لأبي عبيدة فأنكره، وبلغ ذلك منصوراً فقال: أنا أكذبه، واجتمع الناس عند القاضي وتواعدوا لحضور ذلك، فلما حضروا لم يتكلم أحد، فابتدأ أبو عبيد وقال: ما أريد أحداً يدخل علي، ما أريد منصوراً ولا نصاراً ولا منتصراً، قوم عميت قلوبهم كما عميت أبصارهم يحكون عنا ما لم نقله، فقال له منصور: قد علم الله أنك قلت كذا وكذا، فقال أبو عبيد: كذبت، فقال له منصور: قد علم الله الكاذب، ونهض فلم يأخذ أحد بيده غير أبي بكر ابن الحداد فإنه أخذ بيده وخرج معه حتى ركب، وزاد الأمر فيما بينهما، وتعصب الأمير ذكا وجماعة من الجند وغيرهم لمنصور، وتعصب للقاضي جماعة، وشهد على منصور محمد بن الربيع الجيزي بكلام سمعه منه يقال إن منصوراً حكاه عن النظام، فقال القاضي: إن شهد عليه آخر مثل ما شهد به عليه محمد بن الربيع ضربت عنقه، فخاف