للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاحترق منها باب عبد الملك وبقي باب الحجاج، فعظم ذلك على عبد الملك، فكتب الحجاج إليه يلغني أن ناراً نزلت من السماء فأحرقت باب أمير المؤمنين ولم تحرق باب الحجاج، وما مثلنا في ذلك إلا كمثل ابني آدم إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يقبل من الآخر فسري عنه لما وقف عليه.

وكان أبوه قد ولاه محاربة أبي يزيد الخارج عليه، وكان هذا أبو يزيد مخلد ابن كيداد رجلا من الإباضية يظهر التزهد وأنه إنما قام غضباً لله تعالى، ولا يركب غير حمار، ولا يلبس إلا الصوف، وله مع القائم والد المنصور وقائع (١) كثيرة، وملك جميع مدن القيروان، ولم يبق للقائم إلا المهدية، فأناخ (٢) عليها أبو يزيد وحاصرها فهلك القائم في الحصار، ثم تولى المنصور فاستمر على محاربته واخفى موت أبيه، وصابر الحصار حتى رجع أبو يزيد عن المهدية، ونزل على سوسة وحاصرها (٣) ، فخرج المنصور من المهدية ولقيه على سوسة فهزمه، ووالى عليه الهزائم إلى أن سره يوم الأحد لخمس بقين من المحرم سنة ست وثلاثين وثلثمائة، فمات بعد أسره بأربعة أيام من جراح كانت به، فأمر بسلخه وحشا جلده قطناً وصلبه وبنى مدينته في موضع الوقعة وسماها المنصورية (٤) ، واستوطنها.

وكان المنصور شجاعاً رابط الجأش، بليغا يرتجل الخطبة؛ وخرج في شهر رمضان سنة إحدى وأربعين من المنصورية إلى مدينة جلولاء (٥) ليتنزه بها ومعه حظيته قضيب، وكان مغرماً بها، فأمطر الله سبحانه وتعالى عليهم بردا كثيراً وسلط عليهم ريحا عظيمة، فخرج منها إلى المنصورية، فاشتد عليه البرد فأوهن جسمه، ومات أكثر من معه، ووصل إلى المنصورية فاعتل بها فمات يوم الجمعة آخر شوال سنة إحدى وأربعين وثلثمائة، وكان سبب علته أنه


(١) أ: وقعات.
(٢) ج: وأناخ.
(٣) ج: وحصرها.
(٤) تقع على بعد نصف ميل من القيروان وهي نفسها " صبرة " المتصلة بالقيروان.
(٥) جلولاء - حسب تحديد ياقوت - مدينة قديمة بينها وبين القيروان أربعة وعشرون ميلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>