للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن اللباس، فهم في صورة عار وزيهم زي كاس، وما أسرع ما خيط لهم لباسها المحمر، غير أنه لم يجب عليهم ولم يزر (١) ، وما لبسوه حتى لبس الإسلام شعار النصر، الباقي على الدهر، وهو شعار نسجه السنان الخارق، لا الصنع (٢) الحاذق، ولم يغب عن لابسه إلا ريثما غابت البيض في الطلى والهام، وألف الطعن بين ألف الخط واللام.

وأول هذا الفضل مأخوذ من قول البحتري:

سلبوا وأشرقت الدماء عليهم ... محمرة فكأنهم لم يسلبوا وله رسالة يصف فيها الديار المصرية، وهي طويلة، ومن جملتها فصل صفة نيلها وقت زيادته، وهو معنى بديع غريب، ولم أقف لغيره على أسلوبه، وهو قوله: " وعذب رضابه فضاهى جنى النحل، واحمر صفيحة فعملت أنه قد قتل المحل ". وهذا المعنى نهاية في الحسن، ثم إني وجدت هذا المعنى لبعض العرب، وقد أخذ ضياء الدين منه، وهو قوله:

لله قلب ما يزال يروعه ... برق الغمامة منجداً أو مغورا

ما احمر في الليل البهيم صفيحه ... متجرداً إلا وقد قتل الكرى ولقد أحسن في أخذه وتلطف في نقله إلى هذا المعنى، ومثله قول عبد الله ابن المعتز المقدم ذكره في غلام أرمد:

قالوا اشتكت عينه فقلت لهم: ... من كثرة القتل مسها الوصب

حمرتها من دماء من قتلت ... والدم في النصل شاهد عجب (٣)


(١) ق: يجيب ... يزرر.
(٢) ص: الصانع.
(٣) علق ابن المؤلف عند هذا بقوله: " قلت أعني كاتبها موسى بن أحمد لطف الله به: لما أعيد والدي رحمه الله تعالى إلى قضاء دمشق والشام في أول سنة سبع وسبعين وستمائة ورد عليه كتاب السلطان الملك السعيد ابن الملك الظاهر يخبره بوفاء النيل، وهو أول كتاب ورد عليه وكان من إنشاء تاج الدين أحمد بن الأثير الحلبي رحمه الله وفيه بعد الألقاب المعتادة: لا زالت أيامه مستفتحة بالهناء وسعادة الآناء وإشادة الثناء إذ كان أمل غيره من دهره إشادة البناء؛ نوضح لعلمكم الكريم أننا سطرناها والنيل المبارك بحمد الله قد وفى، وعفى من آمال القائظة ما عفى، ومرعى البلاد خصيب، والري قد قتل المحل وكفه من دمه خضيب، والديار المصرية قد تجمع بها اشتات المحاب وعنيت بمواقع نيلها عن تحمل منة السحاب؛ وقوله في الدعاء: " وإشادة الثناء إذ كان أمله من غيره إشادة البناء " فيه معنى قصده يحتاج إلى إبضاح وهو: أن الحاكم المباشر قبل الوالد كان يكثر في مجالسه القول: عمرت في الأوقات كذا وبنيت للأيتام كذا، والله أعلم؛ أهـ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>