(٢٨٨) وكان لأبي حنيفة أولاد نجباء سروات، فمنهم أبو الحسن علي بن النعمان (١) ، أشرك المعز المذكور بينه وبين أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن يجير بن صالح بن أسامة الذهلي قاضي مصر في الحكم، ولم يزل مشتركين فيه إلى أن توفي المعز، وقام بالأمر ولده العزيز نزار - وقد تقدم ذكره أيضاً - فرد إلى القاضي أبي الحسن المذكور أمر الجامعين ودار الضرب، وهما على الاشتراك في الحكم، واستمروا على ذلك إلى أن لحقت القاضي أبا طاهر المذكور رطوبة عطلت شقه ومنعته من الحركة والسعي إلا محمولاً، فركب العزيز المذكور إلى الجزيرة التي بين مصر والجيزة في مستهل صفر سنة ست وستين وثلثمائة، فحمل أبو طاهر إليه، فلقيه الشهود معه عند باب الصناعة، فرآه نحيلاً، وسأله استخلاف ولده أبي العلاء بسب ما يجده من الضعف، فحكى عن العزيز أنه قال: ما بقي إلا أن تقددوه. ثم قلد العزيز ثالث هذا اليوم القاضي أبا الحسن علي بن النعمان المذكور القضاء مستقلاً فركب إلى الجامع القاهرة، وقرىء سجله، ثم عاد إلى الجامع العتيق بمصر وقرىء سجله، وكان القارىء أخاه أبا عبد الله محمد ابن النعمان، وكان في سجله القضاء بالديار المصرية والشام والحرمين والمغرب وجميع مملكة العزيز والخطابة والإمامة والعيار في الذهب والفضة، والموازين والمكاييل، ثم انصرف إلى داره في جمع عظيم، ولم يتأخر عنه أحد، وأقام القاضي أبو طاهر المذكور منقطعاً في بيته عليلاً، وأصحاب الحديث يترددون إليه ويسمعون عليه، إلى أن توفي سلخ ذي القعدة سنة سبع وسيتن وثلثمائة، وسنة ثمان وثمانون سنة، ومدة ولايته ست عشرة سنة وسبعة عشر يوماً، وأذن له العزيز أيضاً أن ينظر في الأحكام في هذه المدة، فلم يكن فيه فضل، وكان قد حكم في الجانب الغربي ببغداد أيضاً مدة ثم انتقل إلى مصر.
ثم إن القاضي أبا الحسن استخلف في الحكم أخاه أبا عبد الله محمداً، وفوض إليه الحكم بدمياط وتينس والفرما والجفار، فخرج إليها واستخلف بها ثم عاد، ثم سافر العزيز إلى الشام في سنة سبع وستين، وسافر معه القاضي أبو الحسن المذكور، وجلس أخوه محمد مكانه للحكم بين الناس.