أما والله ما أنا بالواني ولا الفاني، وإني أنا الحية الصماء التي لا يسلم سليمها، ولا ينام كليمها، وإني أنا المرء إن همزت كسرت، وإن كويت أنضجت، فمن شاء فليشاور، ومن شاء فليؤامر، مع أنهم والله لو عاينوا من يوم الهربر ما عاينت أو لو ولوا ما وليت لضاق عليهم المخرج، ولتفاقم بهم (١) المنهج، إذ شد علينا أبو الحسن وعن يمينه وشماله المباشرون من أهل البصائر وكرام العشائر، فهناك والله شخصت الأبصار، وارتفع الشرار، وتقلصت الخصى إلى مواضع الكلى، قارعت الأمهات عن ثكلها، وذهلت عن حملها، واحمرت الحدق واغبرت الأفق، وألجم العرق، وسال العلق، وثار القتام، وصبر الكرام، وخام اللثام، وذهب الكلام وأزبدت الأشداق، وكثر العناق، وقامت الحرب على ساق، وحضر الفراق، وتضاربت الرجال بأغماد سيوفها بعد فناء من نبلها وتقصفٍ من رماحها، فلا يسمع يومئذ إلا التغمغم من الرجال، والتحمحم من الخيل، ووقع السيوف على الهام كأنه دق غاسل بخشبته على منصبه، ندأب ذلك يوماً حتى ظعن الليل بغسقه، وأقبل الصبح بفلقه، ثم لم يبق من القتال إلا الهرير والزئير، لعلمتم أني أحسن بلاء، وأعظم غناء، وأصبر على اللأواء منكم، وإني وإياكم كما قال الشاعر:
وأغضي على أشياء لو شئت قلتها ... ولو قلتها لم أبق للصلح موضعا
وإن كان عودي من نضار فإنني ... لأكرمه من أن أخاطر خروعا والمأثور عنه كثير.
وتوفي سنة أربع ومائتين، وقيل سنة ست، والأول أصح، والله أعلم بالصواب، رحمه الله تعالى.